هل "تنبأت" الوزارة بهذه المخرجات؟!

وأخيرا، ظهرت نتائج امتحان الدراسة الثانوية، ورأينا طوفانا من المعدلات القياسية، ربما كنتيجة حتمية لـ»مغامرة» وزارة التربية والتعليم باعتماد الأسئلة الموضوعية، وانتهاج هذا النوع الغريب منها.اضافة اعلان
صحيح أنها أسئلة قد تؤدي إلى خسارة علامات كثيرة، خصوصا لأولئك الذين يسيرون بالإجابة بانتظام حسب الأصول ويخطئون بالنتيجة النهائية، فكانت تحتسب لهم علامات على خطواتهم تلك. لكن السؤال الموضوعي يساعد على الاختيار كون الإجابة الصحيحة موجودة ضمن الخيارات، وأيضا كون الحظ قد يخدم حتى من لا يعرفون الإجابة.
في النهاية، النتائج اليوم موجودة بين أيدينا، فقد بلغت النسبة الكلية للنجاح 56.5 %، وجاء الفرع الأدبي 46 %، والصناعي 30.9 % والعلمي 74.5 %، وفي الدراسة الخاصة 43.4 % في الصناعي، وفي الأدبي 51.9 % ، وفي العلمي 64.5 %، بعدد ناجحين تجاوز الـ96 ألف ناجح، من بين 170 ألفا حضروا الامتحان.
العام الماضي، جاءت نسبة النجاح 58.3 %، وهي أعلى من نسبة العام الحالي، وبعدد ناجحين تجاوز 77 ألفا، من أصل زهاء 133 ألفا حضروا الامتحان. بينما زاد عدد ناجحي العام الحالي زهاء عشرين ألفا عن العام الماضي!
هناك 78 طالبة وطالبا حققوا العلامة الكاملة 100 %، بينهم 71 من الفرع العلمي، و7 من الفرع الأدبي، بينما لم يتم الإعلان عن عدد الطلبة الذين تحصلوا على معدلات بالتسعينات، والذين ربما يحجزون جميع مقاعد الجامعات الحكومية ضمن قائمة القبول الموحد، بينما سيترك الباقون لمصيرهم، ما يعني تقليص خيارات التخصصات أمام آلاف الطلبة، بما فيها من راكدة ومشبعة، ويعني أيضا «تسمين» الجامعات الخاصة التي ستكون محظوظة بهذا العدد الكبير من الناجحين.
هذا الأمر يتطلب التوقف عنده طويلا، ودراسته جيدا، والخروج بإجابة واضحة على سؤال: هل أصبنا في ما اقترحناه من نمط تدريس وأسئلة في العام الماضي، أم أخفقنا، وهل النتائج الحالية دليل نجاح أم إخفاق؟!
ندرك أن العام الماضي لم يكن تقليديا بجميع المقاييس، فالطلبة الذي أمضوا فصلا كاملا في بيوتهم تلقوا تعليما عن بعد، استقرت الآراء على أنه لم يكن جيدا، أو لم يكن كافيا على أقل تقدير، ناهيك عن الفجوة الرقمية المعروفة والمعترف بها سلفا، والتي عانى بسببها طلبة المجتمعات الأقل رعاية.
لكن ذلك لم يكن مبررا لخروج هذا الطوفان من المعدلات العالية، والتي، بالتأكيد، يطمح أصحابها ممن سجلوا معدل 65 % فما فوق، إلى مقعد في جامعة حكومية، وهو أمر لا نظن أنه سيكون متاحا في هذه الحالة. إذن، ما العمل؟!
يبدو أنه ما من حل أمام آلاف الأسر إلا خيارات الموازي والتعليم الجامعي الخاص، والذي سيكون إرهاقا ماليا إضافيا للأسر التي تصارع اليوم أمام ارتفاع كلف الحياة.
المسألة ليست دعوة إلى التشدد بالامتحان لتقليل أعداد الناجحين. بالتأكيد ليس هذا ما أعنيه هنا، ولكن يمكن لنا أن نتلمس ضررا آخر، ربما يكون أكثر تأثيرا، وهو امتحاننا الوطني الأهم، والذي قد يكون عرضة للنقد والتشكيك في فاعليته بفرز مستوى الطلبة، وقد يتأثر مستواه وتقييمه لدى المؤسسات التعليمية في الخارج، تماما مثلما نتعامل نحن في الأردن مع بعض الامتحانات الوطنية من خارج الأردن.
وهنا، لا بد أن يتبادر سؤال في ذهن كثيرين: كيف تم تسجيل هذا العدد الكبير من المعدلات العالية في هذه السنة الصعبة بالذات، بينما قسم كبير من الطلبة لم يتلق تعليما مدرسيا خلال الفصل الثاني بأكمله؟ هل يراد لنا أن نعتقد أن التعليم عن بعد أكثر كفاءة من التعليم داخل الغرف الصفية، أو هل يتم الترويج، مثلا لـ»موت المعلم»، و»موت المدرسة»!!
أمس، أعلن وزير التربية أن العام الدراسي في موعده، وأنه سيأتي بشكله الطبيعي ومدمج بالتعليم عن بعد. هذا الأمر قد يضعنا أمام المعادلة نفسها التي وجدنا أنفسنا محكومين بها العام الماضي، وقد يجتهد بعضهم ويقترح نمط أسئلة شبيها بالأسئلة الماضية. وقد ينفتح الباب واسعا لإعادة سيناريو اليوم، والذي سيكرس الامتحان بكونه لا يعبر بحق عن تحصيل الطالب، ولا يقيس مستواه الحقيقي.
بالتأكيد نحن لا نريد تكريس مثل هذه النظرة السلبية تجاه امتحان التوجيهي. لذلك، فمن الصواب إجراء الدراسات اللازمة لكي ننقذ هذا الامتحان من الضعف الذي بدأ يتسرب إليه.