هل ثمة أمل للسلام في الشرق الأوسط؟

طفل فلسطيني أمام حاجز الفصل العنصري الإسرائيلي وجندي الاحتلال - (أرشيفية)
طفل فلسطيني أمام حاجز الفصل العنصري الإسرائيلي وجندي الاحتلال - (أرشيفية)

رشيد الخالدي - (النيويورك تايمز)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
ما الذي ينبغي على باراك أوباما، الذي سيزور إسرائيل يوم الأربعاء المقبل لأول مرة في رئاسته، أن يفعله بخصوص الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني؟اضافة اعلان
أولاً، يجب عليه التخلي عن الحكمة التقليدية الآسنة التي عرضتها مؤسسة السياسة الخارجية في نيويورك وواشنطن، والتي تتشبث بالبقايا المهترئة لما يدعى "عملية السلام" التي ساعدت في الحقيقة، منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، على جعل السلام أقل إمكانية للتحقيق من أي وقت مضى.
وعندما بدأ أحدث تكرار لهذه العملية مصحوباً بآمال عريضة في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، والذي أفضى إلى إبرام اتفاقيات أوسلو بعد عامين من ذلك، كان هناك نحو 200.000 إسرائيلي يستوطنون بشكل غير شرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ واليوم، هناك أكثر من ضعفي هذا العدد في المناطق المحتلة.
وخلال هذا الوقت، وفي ظل أربع رئاسات أميركية متعاقبة، فإن الولايات المتحدة التي تتصرف، كما يتردد، كوسيط شريف، لم تفعل أي شيء لمنع إسرائيل من الالتهام التدريجي للأراضي نفسها التي سبق الاتفاق على تأسيس حل الدولتين عليها.
حتى العام 1991، كان معظم الفلسطينيين يستطيعون الحركة بحرية في المناطق، رغم الاحتلال العسكري الإسرائيلي. واليوم، ثمة جيل بأكمله من الفلسطينيين الذين لا يسمح لهم أبداً بزيارة القدس أو الدخول إلى إسرائيل أو العبور بين الضفة الغربية وغزة. وتعد هذه التقسيمات، التي تأخذ شكل غيتوهات مخصصة للفلسطينيين، سوية مع القلاقل التي رافقت الانتفاضة الفلسطينية بين العامين 2000-2005 وإنشاء ما يبدو أنه مستوطنات دائمة وبناء جدار على غرار جدار الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تعد تداعيات مأساوية لما يسمى "عملية السلام" التي تقودها الولايات المتحدة.
لقد قامت "عملية السلام" على تعميق الانغماس الإسرائيلي في فلسطين في مقابل أهداف سياسة خارجية غير ذات صلة بتقدم السلام والتحرر الفلسطيني. وفي أواخر السبعينيات، اشتمل ذلك على جائزة الحرب الباردة الاستراتيجية المتمثلة في إزاحة مصر من المعسكر السوفياتي ونقلها إلى المعكسر الأميركي.
وبشكل أساسية، قامت اتفاقية كامب ديفيد بين رئيس الوزراء مناحيم بيغن والرئيس أنور السادات بتنحية "المسألة الفلسطينية" جانباً. وقد أطّرت هذه القيود عملية أوسلو التي اعترفت بموجبها كل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما بعضاً، فيما تأجل البت في كل القضايا الأساسية، مثل الحدود واللاجئين والمياه والمستوطنات الإسرائيلية ووضع القدس، إلى ما سمي "مفاوضات الوضع النهائي".
ومع اقتراب نهاية رئاسته الأولى، تخلى السيد أوباما بشكل أساسي عن أجندته المتواضعة أصلاً لصنع السلام في مقابل التهدئة أثناء حملة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لشن حرب على إيران. وتمت التضحية مرة أخرى بفلسطين، وهذه المرة لرشوة إسرائيل التي تهدد بالحرب في مقابل ضبط سلوكها مؤقتاً.
لقد أفضت "العملية" بقيادة الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى تقوية أقصى اليمين الإسرائيلي، وجعلت من هدف تقرير المصير الفلسطيني غير قابل للتحقيق أكثر من أي وقت مضى. ويتناقض الاستمرار في تكريس الصورة الأورويلية البشعة -أي "عملية السلام"- مع أي تعريف متنور للمصلحة الذاتية الأميركية. فقد كرست صورة الولايات المتحدة باعتبارها المدافع عن إسرائيل والممكن لها من دون توجيه أي انتقادات لسياساتها. وبالإضافة إلى ذلك، يوجه هذا الاتجاه إهانة بليغة لذكاء الشعب الفلسطيني. ورغم تواطؤ بعض قادته في العملية التي تركته بلا دولة بينما يستمر الاستعمار غير المنتهي للضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن الفلسطينيين يستحقون أن يكونوا أفضل من مجرد سجناء في أرضهم الخاصة.
إذا أراد السيد أوباما أن يخصص شيئاً من الطاقة لحل الصراع -بإذا كبيرة- فلن يكون ذلك أمراً سهلاً. فالفلسطينيون الآن منقسمون بعمق بين داعمي جناح "فتح" بقيادة محمود عباس، والذي يحكم الضفة الغربية، و"حماس"، المجموعة المتشددة التي تسيطر على قطاع غزة. وثمة عائق أكبر من ذلك يتمثل في تشكيلة حكومة السيد نتنياهو اليمينية التي تجنح نحو زيادة التوسع في الأراضي الفلسطينية.
وبإيجاز، إذا كانت الأهداف الخاصة لعملية السلام ككل لا تضع حداً لإنهاء الاحتلال وإزاحة المستوطنات وتوفر للفلسطينيين إمكانية حقيقية لتقرير المصير، فما الهدف من التظاهر باستئنافها؟
ثمة حقيقتان يحسن السيد أوباما صنعاً إذا هو وضعهما في اعتباره.
تعني الهيمنة الجامحة لإسرائيل على الفلسطينيين أن الصراع ليس واحداً يتطلب تنازلات متبادلة من طرفين ندين ومتساويين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلام يجب أن يبرم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وليس بين السيد أوباما ومنتقديه في الحزب الجمهوري واللوبي الإسرائيلي وأحزاب اليمين في إسرائيل.
وإذا كان السيد أوباما لا يستطيع مواجهة تلك الحقائق، فسيكون من الأفضل له كثيراً أن يكون صادقاً وأميناً فقط: إن الولايات المتحدة تدعم هذا الواقع الذي لا يمكن التسامح معه، وهي راغبة في تحمل الازدراء الدولي الناجم عن سلوكها. وتدرك الشعوب في شتى أنحاء العالم أن أميركا ساعدت ولعدة عقود في إفراز حالة حيث توجد الآن، بغض النظر عن الدعوات والادعاءات بدعم قيام دولة فلسطينية، وستوجد في المستقبل المنظور سلطة حقيقية واحدة ذات سيادة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن: دولة إسرائيل.
وسيكون اليهود الإسرائيليون وحدهم المواطنين كاملي المواطنة في تلك الأرض، بينما يعيش الفلسطينيون البالغ عددهم 5 ملايين نسمة في حالة خضوع أو نفي. وثمة 1.2 مليون عربي فلسطيني يعيشون في إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثانية. في حين أن "حل الدولة الواحدة" الذي يستند إلى التمييز الدائم والقمع لن يكون قابلاً للاستدامة في نهاية المطاف. ويبقى الدعم الخارجي الوحيد المتبقي لهذا الحل قادماً من الولايات المتحدة وأوروبا اللتين يعي مواطنوهما على نحو متزايد أن هذا البناء يتعارض بعمق مع قيمهم الخاصة، كما كان حال نظام الفصل العنصري –الأبارتيد- في جنوب أفريقيا.
بالنسبة للسيد أوباما، فإن اتخاذ قرار سيكون أمراً في محله. سيكون باستطاعته التوفيق بين الولايات المتحدة والاستمرار في تأييد وتمويل وضع قائم كانت قد ساعدت على إفرازه، أو أنه يستطيع البدء في تخطيط ورسم نهج جديد يستند إلى الاعتراف بأنه يترتب على الولايات المتحدة أن تباشر -وبأمانة- معارضة الاحتلال والمستوطنات، ودعم الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف فيه في الحرية والمساواة والدولة. ليس ثمة حل وسط على الإطلاق.
*نشر هذا المقال بعنوان:
 Is Any Hope Left for Mideast Peace?