هل ستعود المدارس والجامعات إلى طبيعتها؟ 9 خبراء يتأملون مستقبل التعليم بعد الجائحة

2
2

مجموعة من الخبراء - (فورين بوليسي) 5/9/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

عاد الملايين من طلاب المدارس والجامعات إلى الفصول الدراسية، بالحضور الشخصي في الغرف الصفية أو بغير ذلك. وتعيد المدارس فتح أبوابها بقواعد صارمة بسبب فيروس كورونا. وهناك العديد من النماذج -بدءًا من "الصفوف الوهمية" المستخدمة في الدنمارك، التي تقصر التفاعل مع بقية المدرسة على مناهج هجينة، حيث الحضور الشخصي جزئي فقط، إلى التعلم المستمر عن بُعد مع كل مشكلاته من الطلاب المشتتين وأولياء الأمور المرهقين. ويبدو أن بعض المدارس في أوروبا وشرق آسيا قد خففت قواعد التباعد الاجتماعي بنجاح؛ وأعيد فتح البعض الآخر فقط ليعاد إغلاقها مرة أخرى مع ارتفاع معدلات الإصابة.
بل إن الجامعات تعاني أكثر من المدارس. ويبدو أن مساكن الطلبة والتواصل الاجتماعي للطلاب هي موائل طبيعية للفيروس. وقد تعاني الجامعات الخاصة التي تعتمد على مدفوعات الرسوم الدراسية في حال قرر الآباء أن التعلم عن بعد لا يستحق التكلفة الباهظة -أو إذا لم يعد الطلاب الصينيون الذين يدفعون الرسوم الدراسية كاملة. لكن هناك شيئاً واحداً مؤكداً: لقد أطلق "كوفيد-19" ثورة في التعلم الرقمي، والتي يمكن أن تغير العالم الأكاديمي إلى الأبد.
لمساعدتنا على تعقب تأثيرات الوباء على التعليم في المستقبل، طلبت مجلة "فورين بوليسي" من تسعة مفكرين بارزين أن ينظروا في كُراتهم الكريستالية.

  • * * *
    ستعمل التكنولوجيا أخيرًا على إقلاق أوضاع الجامعات المستقرة
    مايكل د. سميث
    سوف تنجو الجامعة كما نعرفها من الجائحة -ولكن ليس بأي شيء قريب من القوة التي كانت لها قبل "كوفيد-19".
    لقرون عدة، كانت قوة الجامعة تُستمد من قدرتها على التحكم في الوصول إلى المقاعد الشحيحة للفصول الدراسية، وندرة أعضاء هيئة التدريس الخبيرين، وأوراق الاعتماد القليلة في سوق العمل. والآن، أجبر الوباء العالم الأكاديمي على تبني التقنيات الرقمية، وهو ما سيجعل هذه الموارد وفيرة من خلال السماح للطلاب بالدراسة في أي وقت وفي أي مكان، وأيًا يكن ما يرغبون في التعلم لديه من خبراء هيئات التدريس في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، تسمح الأدوات الجديدة عبر الإنترنت للطلاب بإظهار مهاراتهم بخصوصية ووضوح لا يمكن أن تضاهيهما الشهادات والنسخ الجامعية.
    اليوم، يرى الكثيرون في الأوساط الأكاديمية أن هذا الواقع يشكل تهديدًا لطريقتنا في ممارسة الأعمال. وهم محقون: سوف تبدو التغييرات التي أطلقها الوباء وسرَّعها كثيرة الشبه بالتغييرات المؤلمة التي رأيناها في الصناعات الأخرى التي أربكها أيضاً، مثل تجارة التجزئة، والسفر، والإعلام والترفيه؛ حيث أهلك المنافسون الرقميون الجدد الشركات شديدة الثقة بنفسها وصاحبة المنتجات غالية الثمن. وكانت الجامعات معزولة منذ فترة طويلة عن هذه الضغوط.
    ومع ذلك، بدلاً من الاستسلام للذعر، يحتاج التربويون إلى تبني هذه التغييرات كفرصة لتحقيق مهمتهم الأساسية: خلق الفرص لأكبر عدد ممكن من الطلاب لاكتشاف وتطوير ملَكاتهم ومواهبهم الفريدة، واستخدام تلك الملكات والمواهب لإحداث فرق في العالم.
  • * *
    العودة إلى التعليم الشخصي بأسرع ما يمكن
    لودغر فيسمان
    كما يعرف آباء وأمهات الأولاد والبنات المتأثرين بإغلاق المدارس، لم يكن التعلُّم عن بعد بديلاً جيدًا للتعليم الشخصي في المدرسة. وعندما أجرينا مسحاً أخيراً، والذي شمل أكثر من 1000 من أولياء أمور طلبة المدارس الألمانية، وجدنا أن الوقت الذي يقضيه الطلاب على شؤون المدرسة والواجبات المنزلية قد انخفض إلى النصف، هابطاً من 7.4 إلى 3.6 ساعة فقط يوميًا، بينما زاد الوقت الذي يقضيه الطلاب في مشاهدة التلفاز أو ممارسة ألعاب الكمبيوتر أو استخدام الهواتف المحمولة ليصل إلى 5.2 ساعة في اليوم. وكان أكثر من ثلث الطلاب يدرسون لساعتين فقط أو أقل.
    على عكس الاعتقاد السائد بأن الآباء الأفضل تعليماً كانوا أكثر قدرة على توفير بيئة تعليمية منزلية داعمة، كان الانخفاض في وقت التعلم حادًا عند أولادهم تماماً كما حدث مع الآباء الأقل تعليماً. وكان الاختلاف الحقيقي هو أن الطلاب الذين كان أداؤهم ضعيفًا مسبقاً في المدرسة -بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية والاقتصادية- قاموا بتحويل المزيد من الوقت من التعلم إلى الألعاب أكثر من أقرانهم الأقوى. كما وجدنا أيضًا أن الفتيات يتعاملن مع التعلم عن بعد بشكل أفضل من الأولاد.
    ستكون لإغلاقات المدارس تكاليف حقيقية على المدى الطويل. حتى الآن، فقد الطالب العادي ما يعادل ثلث عام من التعلم، ويمكنه توقع انخفاض دخله المستقبلي بنحو 3 في المائة؛ ويعني التحصيل التعليمي المنخفض لهذه المجموعة أن الاقتصاد ككل سوف يفقد 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
    هناك درسان عاجلان في هذا. أولاً، يجب أن نفعل كل ما في وسعنا للعودة إلى التعليم بالحضور الشخصي في أسرع وقت ممكن -مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة. وعندما لا يكون ذلك ممكنًا، يجب أن يكون هناك جدول زمني كامل للتعليم المباشر عبر الإنترنت -فقد فشل مجرد إرسال الواجب المنزلي عبر البريد الإلكتروني بشكل واضح بالنسبة لعدد كبير جدًا من الطلاب. ثانيًا، يجب أن نؤسس جهداً كبيراً لتعويض خسائر تعلم الطلاب، وإلا سيتعرض تطورهم المستقبلي لضرر خطير.
  • * *
    يمكن إعادة فتح المدارس بأمان، وإنما فقط مع بروتوكولات وخطط صارمة
    جينيفر نوزو
    في الولايات المتحدة ودول أخرى، بدأت المدارس في العودة إلى التعليم الشخصي. ومن هذه التجارب، يمكننا استخلاص دروس أساسية عدة.
    قد يكون من المفيد للمدارس إنشاء "صفوف وهمية"، وهي مجموعات ثابتة من الطلاب والموظفين الذين يتفاعلون مع بعضهم بعضا فقط.
    أولاً: مستوى المرض في المجتمعات التي يعيش فيها الطلاب والموظفون مهم. فإذا كانت هناك أعداد كبيرة أو متزايدة من الإصابات في المجتمعات التي تغذي المدارس، فقد يصاب الطلاب أو الموظفون ويجلبون هذه العدوى إلى المدرسة. وقد تضطر المجتمعات ذات المستوى العالي من انتقال العدوى إلى إغلاق المؤسسات الأخرى عالية الخطورة، مثل المطاعم والحانات، من أجل خفض عدد الحالات بما يكفي لفتح المدارس.
    ثانيًا: بروتوكولات الأمان مهمة. حتى في المجتمعات التي يكون فيها مستوى المرض منخفضًا، يظل هناك احتمال لأن يصاب شخص ما بالعدوى ولا يعرف ذلك، ويأتي إلى المدرسة. وهذا هو المكان الذي تلعب فيه التدخلات، مثل طلب ارتداء الكمامات، والحفاظ على التباعد الجسدي بين الطلاب والموظفين، وتحسين التهوية، والبقاء في الهواء الطلق قدر الإمكان، دوراً مهماً.
    ثالثًا: من المهم أن تخطط المدارس لحدوث حالات إصابة فيها وأن تكون جاهزة للاستجابة لها. يجب أن تكون لدى المدارس خطط واضحة تحدد عتبة للإغلاق، ومدة بقاء الطلاب في المنازل، و-بشكل حاسم، محفزات لإعادة الفتح. وقد يكون من المفيد جدًا إنشاء "صفوف وهمية"، وهي مجموعات ثابتة من الطلاب والموظفين داخل المدرسة الذين يتفاعلون مع بعضهم بعضا فقط. وإذا تبين أن شخصًا ما في الصف الوهمي مصاب، فإن عدد الأشخاص الذين يُحتمل تعرضهم للإصابة سيكون محدودًا. وهذا النظام -الذي تم تقديمه لأول مرة على نطاق واسع عندما أعادت الدنمارك فتح مدارسها في أيار (مايو)- يساعد أيضًا في جهود تعقب اتصال المخالطين.
    وأخيرًا ، من المهم أن تضع المدارس في اعتبارها أن ما يحدث خارج الفصل الدراسي يمكن أن يقوض حتى أفضل خطط السلامة. وقد أظهرت الأدلة المستمدة من إعادة فتح المدارس في جميع أنحاء العالم أن التجمعات الاجتماعية وغيرها خارج المدارس هي مسار مهم لانتقال العدوى. نحن بحاجة إلى أن نكون واقعيين، وأن نخطط بينما نأخذ في الاعتبار حقيقة أن الأشخاص لن يلتزموا بشكل كامل بتوصيات التباعد الاجتماعي خارج المدرسة.
  • * *
    البلدان النامية تلقت ضربة شديدة بشكل خاص
    ديفيش كابور
    ما مِن شك في أن "كوفيد-19" ستكون له تأثيرات شديدة على السكان الأكثر ضعفاً -والسؤال الوحيد يتعلق بالمدة والشدة. ومع وجود حوالي 260 مليون طفل في المدارس وما يقرب من 40 مليون طالب في التعليم العالي، كانت الهند تواجه مسبقاً تحديات رهيبة في تعليم سكانها ليتمكنوا من المشاركة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين. وتم تشريع الحق القانوني في التعليم حتى سن 14 عامًا فقط في العام 2009. ومع ذلك، ما يزال نظام التعليم الهندي يعاني من ضعف النتائج ومعدلات التسرب العالية. وما يزال التسجيل في الصفوف 11 إلى 12 لا يتعدى نسبة 57 بالمائة فقط.
    على هذه الخلفية، لا بد أن تؤدي الاضطرابات الناجمة عن "كوفيد-19" إلى المزيد من تخلف الطلاب الهنود عن الركب. ويمثل استبدال التعلم الشخصي بالتعلم عبر الإنترنت تحديًا كبيرًا في البلدان الغنية؛ وسوف تكون له تداعيات أكبر في الدول النامية مثل الهند. وعلى الرغم من الزيادة الهائلة في انتشار الإنترنت والهواتف الذكية في الأعوام الأخيرة، ما يزال حوالي 70 بالمائة من الهنود في المناطق الريفية -حيث يعيش ما يقرب من ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة- يفتقرون إلى الوصول الرقمي، ما يجعل التعلم الشخصي في الصفوف بالغ الأهمية.
    يقود ابتكار القطاع الخاص زيادات حادة في استخدام الإنترنت، وقد أطلقت الحكومة مشروعًا طموحًا لربط أكثر من 600.000 قرية في الهند بشبكة الألياف الضوئية في غضون الأعوام الثلاث المقبلة. لكن هذه التطورات ستكون متأخرة للغاية بالنسبة لأزمة اليوم. وفي حين أن الاستخدام الأكبر للتلفاز والراديو لأغراض التدريس قد يسد بعض فجوات التعلم، فمن المؤكد تمامًا أن ساعة التعليم أعيدت إلى الوراء بالنسبة لمئات الملايين من الهنود الصغار والشباب.
  • * *
    نهاية التعليم الدولي؟
    سالفاتور بابونيس
    أدى الوباء إلى كبح مفاجئ لحركة الطلاب الدوليين. وعندما يحين الوقت لاستئناف الأمور مرة أخرى، فإن العلاقة المتدهورة بين الصين والغرب لن تساعد. وتقدم الصين ما يقرب من 20 في المائة من الطلاب الدوليين الوافدين في العالم. وعلى عكس معظم الطلاب الغربيين الذين قد يقضون فصلًا دراسيًا أو فصلين في الخارج لإثراء خبرتهم الجامعية، يميل الطلاب الأجانب الصينيون إلى الدراسة للحصول على درجات كاملة. وقد جعل ذلك من الطلاب الذين يدفعون الرسوم الدراسية من الصين مصدرًا رئيسيًا للدخل لمؤسسات مثل جامعة سيدني (حيث يأتي 31 بالمائة من إجمالي الطلاب من الصين)، وجامعة تورنتو (حوالي 14 بالمائة)، وجامعة إلينوي (حوالي 11 بالمائة).
    أما ما إذا كان الطلاب الصينيون سيعودون بأعداد مماثلة أم لا بعد الأزمة، فلا أحد يعرف على وجه اليقين. كما أن السؤال حول ما إذا كانت الصين ستسمح لهم بذلك أم لا هو قضية أخرى تمامًا. فبسبب الآثار الباقية لسياسة الطفل الواحد، تعاني الصين الآن من تقلص أعداد خريجي المدارس الثانوية. وهي تواجه، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، مستقبلًا من الفصول الدراسية الفارغة والجامعات المفلسة؛ تضاعف ذلك حاجة الصين إلى الاحتفاظ بالعملة الأجنبية من أجل الحفاظ على قيمة اليوان. وتبدو جميع الحوافز متضافرة لجعل الصين تحد من تنقل طلابها.
    سوف تظل الصين سعيدة بتلقي طلابها بعد الدرجة الجامعية الأولى تدريبًا علميًا متميزًا والوصول إلى أحدث التقنيات في الخارج. لكن من المرجح بشكل متزايد أن تحافظ على طلابها في الدرجة الجامعية الأولى في الوطن. وبالنسبة للجامعات الغربية التي تعتمد على الرسوم التي كانوا يدفعونها لقاء تعليمهم، يمكن أن يتحول ذلك إلى تحد وجودي.
  • * *
    للتغلب على الوباء، قوموا ببناء نظام تعليمي أفضل
    آرني دنكان
    أدى تعامل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السيئ مع إدارة هذا الوباء إلى أسوأ أزمة صحية عامة منذ قرن، وأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم، وفوضى في نظام التعليم في الولايات المتحدة. لكن الآثار طويلة المدى لهذا الوباء على الطلاب الأميركيين متروكة لنا نحن. ويجب أن نتصرف بسرعة -ليس للتغلب على التحديات المباشرة التي كشفتها هذه الأزمة وتعمل على مفاقمتها فحسب، ولكن أيضًا لإعادة بناء نظام التعليم بحيث يقدم نتائج أفضل لجميع أبنائنا. وفيما يلي ثلاث طرق للقيام بذلك:
    أولاً، يجب أن نستثمر في المدارس في المجتمعات متدنية الدخل لمنع التخفيضات غير المتناسبة في التمويل والكوادر من إعاقة الطلاب في هذه المجتمعات لأعوام عديدة مقبلة.
    ثانيًا، نظرًا للحاجة الحالية إلى التعليم عن بُعد، يجب أن يتلقى كل طالب ومعلم الموارد والدعم التي يحتاجون إليها للتعلم والتدريس عبر الإنترنت. وستطلب ذلك سد الفجوة الرقمية التي توسع التفاوتات بين من يملكون ومن لا يملكون.
    وثالثاً، يجب أن ننشئ على وجه السرعة مبادرة وطنية للتعليم. يجب على الحكومة الفيدرالية الأميركية، بالشراكة مع القطاع الخاص، حشد الملايين من طلاب الجامعات والخريجين الجدد والمتقاعدين للعمل كمعلمين للطلاب الذين يحتاجون إلى تعويض وقت التعلم الضائع.
    هذه مجرد مقترحات قليلة، وهناك حاجة إلى المزيد. لكننا إذا تصرفنا بسرعة، وتمكنا من السيطرة على هذا الفيروس، وقمنا بالاستثمارات الصحيحة، فإننا لن نخفف أسوأ آثار هذا الوباء على طلابنا فحسب، وإنما سنتمكن أيضًا من فتح فرص جديدة للطلاب -الآن ولأعوام مقبلة.
  • * *
    أدى "كوفيد-19" إلى زيادة اللامساواة في التعليم
    أندرياس شلايشر
    في ذروة الوباء، أصبح 1.5 مليار طالب معزولين عن مدارسهم. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للتدريس عن بعد، عانى هؤلاء الطلاب من خسائر كبيرة في التعلم. وهذا سيئ بما يكفي -ومع ذلك، فإن بعض استراتيجيات إعادة فتح المدارس التي يتم تنفيذها اليوم ستزيد من خسائر التعلم لدى هؤلاء الطلاب. وسوف تتبع هذه الخسائر مجتمعة الطلاب إلى سوق العمل، وسيشعر كل من الطلاب ومجتمعاتهم بالنتائج الاقتصادية السلبية.
    في حين أنه من الصعب التنبؤ بالضبط بمدى تأثير إغلاق المدارس على التطور المستقبلي للطلاب، فإن الأبحاث السابقة تعطينا بعض الأفكار حول تأثير الحضور إلى المدرسة على فرص الطلاب اللاحقة في سوق العمل والتنمية الاقتصادية للبلد. وقد درس الاقتصاديان إريك هانوشك ولودجر ووسمان مؤخرًا آثار إغلاقات المدارس المرتبطة بالوباء على الطلاب من الصف الأول حتى الثاني عشر. وبتقدير أن خسائرهم التعليمية حتى الآن تعادل فقدان ثلث العام الدراسي في المتوسط، وبافتراض عودة المدارس إلى وضعها الطبيعي هذا الخريف، فإنهما يتوقعان تكاليف اقتصادية طويلة المدى تتراوح من 504 مليارات دولار في جنوب إفريقيا، إلى 14.2 تريليون دولار في الولايات المتحدة، إلى 15.5 تريليون دولار في الصين. وإذا استمر الاضطراب في العام الدراسي الجديد، كما هو الحال بالفعل في العديد من البلدان، فإن هذه الخسائر ستزداد بشكل متناسب.
    لكن الجانب الأكثر إثارة للقلق هو أن الوباء قد أدى إلى تضخيم العديد من أوجه عدم المساواة في أنظمتنا التعليمية -بما في ذلك عدم المساواة في الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر وشبكات الإنترنت ذات النطاق العريض اللازمة للتعليم عبر الإنترنت، والافتقار الواسع للبيئات المنزلية الداعمة للتعلم، وفشلنا في جذب المعلمين الموهوبين إلى الفصول الدراسية الأكثر تحدياً. ولا يحظى الأولاد من الخلفيات صاحبة الامتيازات بدعم قوي من والديهم لمساعدتهم على التركيز على التعلم فحسب، وإنما وجدوا طريقهم أيضًا للتغلب على أبواب المدارس المغلقة بالحصول على فرص تعليمية بديلة، مثل المعلمين الخاصين وما تسمى "حجرات التعلم" (1). وفي المقابل، ظل أولئك القادمون من خلفيات محرومة منقطعين عندما أغلقت مدارسهم، ومن غير المرجح أن يسدوا الفجوة الآخذة في الاتساع.
  • * *
    الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن تأتي الوظائف أولاً
    منى مرشد
    الآن ساءت فرص الخريجين بشكل جذري. وفقد ما يقدر بنحو 400 مليون شخص وظائفهم حول العالم فعلياً، لينضموا إلى 200 مليون عاطل عن العمل مسبقاً.
    وهذا يجعل الانتقال من التعليم إلى العمل شأناً غير موثوق أكثر مما كان مسبقاً. تقليديًا، يشرع الطلاب في البحث عن فرص للعمل -أحيانًا بمساعدة مؤسساتهم التعليمية- فقط في نهاية فترة تعليمهم. وبالنسبة للكثيرين، فإن النتيجة المتوقعة هي البطالة أو العمالة الناقصة، وفرق الدخل الحقيقي عن المتوقع، وخيبة الأمل من التعليم.
    الآن، سوف يجبر الوباء الجامعات والكليات المهنية ومقدمي التدريب المهني ومؤسسات ما بعد المرحلة الثانوية الأخرى على قلب التسلسل. الآن، أصبح الناس في حاجة إلى وظائف، ولن يكونوا مستعدين للاستثمار في التعليم من دون ذلك الوعد. وسوف يطالبون ببرامج لغرض صريح هو إعداد الخريجين لدخول عالم العمل. وتشمل المكونات الرئيسية تصميم برنامج معياري يركز على المهنة، إضافة إلى فهم واضح لمكان وجود الوظائف في اقتصاد سريع التحول. وتعني الحاجة العاجلة لملايين الأشخاص للعثور على عمل وكسب دخل أنه يجب قياس طول البرنامج بالأسابيع وليس بالأعوام. كما يعني وجوب تحميل المسؤولية لهذه البرامج عن تحقيق نتائج التوظيف.
    ثمة أخبار جيدة في هذا الصدد: يمكن أن يمنحنا هذا التحول الفرصة لإعادة بناء أنظمة التعليم من أجل توفير فرص العمل والرفاهية المالية والكرامة الشخصية.
  • * *
    سيكون التعليم العالي على ما يرام بعد الكارثة
    ديك ستارتز
    هل يشكل "كوفيد-19" كارثة مالية قصيرة الأمد للكليات والجامعات؟ طويلة الأمد؟ ليس كثيرًا -على الرغم من أن المخاطر موجودة.
    في النصف الأول من العام 2020، تراجعت الإيرادات من السكن والطعام، ومحلات الكتب في الحرم الجامعي، والتذاكر الرياضية، وما شابه. والأهم من ذلك هو عدد الطلاب الذين يدفعون رسومًا ويحضرون فعلياً في الفصل الدراسي. وفي الكليات العامة وبشكل خاص، كم سيكون عدد الطلاب من خارج الولاية والدوليين الذين يدفعون رسومًا عالية والذين سيُفقدون هذا العام؟ وحتى مع خسارة الإيرادات، فإن التحول إلى التدريس عبر الإنترنت يتطلب استثمارات كبيرة في المعدات والخدمات السحابية والدعم الفني.
    يقترب هذا من أن يكون أزمة لمعظم الجامعات. وسوف تنهار بعض الكليات الأصغر التي كانت تتأرجح مسبقاً على حافة الإفلاس.
    على المدى الطويل، لن يتغير الكثير فيما يتعلق بالرغبة في الحصول على تعليم عالٍ -ولذلك سيعود الطلب عليه إلى طبيعته. ولن يتغير الكثير بشأن تكلفة تقديم التعليم العالي -ولذلك سيعود العرض إلى طبيعته أيضاً. قد ينمو التعليم عبر الإنترنت كمنتج متخصص، لكن الاتصال البشري سيظل هو الأفضل لمعظم الغايات والأغراض. وفي غضون أعوام قليلة، يجب أن تعود الشؤون المالية للجامعات إلى حالتها المعتادة من تدبر الأمور على الأقل.
    لكن هناك نوعين من التهديدات للتعليم العالي في الولايات المتحدة. في فترة الركود العظيم، خفضت الولايات الأميركية بشكل كبير الدعم المالي للتعليم العالي -ولم يتعاف ذلك الدعم أبدًا. وإذا حدث هذا مرة أخرى، فستواجه الجامعات الحكومية مشكلة دائمة. في العقد الماضي، تكيفت الكليات جزئيًا من خلال البحث عن الطلاب الدوليين ذوي الرسوم المرتفعة. وهذا هو الخطر الثاني: إذا انتقل الطلاب الدوليون إلى الكليات والجامعات في أستراليا وأوروبا بسبب قيود الهجرة في الولايات المتحدة، فكذلك سيكون حال مدفوعاتهم الدراسية التي كانت تدعم الطلاب الأميركيين.
    هناك بالتأكيد مشكلة اليوم -وربما لفترة أطول قليلاً. ولكن يمكن تجنب العواقب طويلة المدى إذا عادت حكومات الولايات إلى دعم التعليم العالي، وإذا عادت الحكومة الفيدرالية الأميركية إلى الموقف التقليدي للبلد، المُرحب عادة تجاه الطلاب الأجانب.
  • * * *
    *مايكل د. سميث، أستاذ تكنولوجيا المعلومات والتسويق في جامعة كارنيغي ميلون.
    *لودغر فيسمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميونيخ ومدير مركز Ifo لاقتصاديات التعليم.
    *جينيفر نوزو، عالمة الأوبئة في كلية بلومبيرغ للصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز.
    *ديفيش كابور، أستاذ دراسات جنوب آسيا ومدير برامج آسيا في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
    *سالفاتور بابونيس، باحث مساعد في مركز الدراسات المستقلة وأستاذ مشارك في جامعة سيدني.
    *آرني دنكان، وزير التعليم الأميركي السابق في إدارة باراك أوباما، وهو حالياً شريك إداري في مؤسسة Emerson Collective.
    *أندرياس شلايشر، مدير التعليم والمهارات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
    *منى مرشد: الرئيس التنفيذي المؤسسة لمؤسسة "الجيل".
    *ديك ستارتز، أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا.
    *نشر هذا الموضوع تحت عنوان: Will Schools and Universities Ever Return to Normal? Nine experts on the future of education after the pandemic.
    هامش المترجم:
    (1) ظهر ما يسمى "حجرات التعلم" learning pods أو "حجرات الوباء" pandemic pods في جميع أنحاء البلاد. وهي مجموعات صغيرة من الطلاب الذين يتعلمون معًا بمساعدة معلم يدرّسهم شخصياً، ومعها تأتي المخاوف من ترك أقرانهم الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المساعدة الإضافية في الخلف. (ويكيبيديا)