هل ستنجح حملة الـ16 يوما لمناهضة العنف دون تغيير جذري لنظرتنا للعنف؟

يبدو ان وباء العنف المجتمعي لهذا العام لم يقل فتكا من وباء فيروس كورونا، لما يُحدث كلاهما من أضرار جسيمة في مجتمعنا. وبما ان حملة ال 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة التي تنظمها محليا اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والاعلام ويتزامن توقيتها مع كتابة هذا المقال، فقد قررت ألا أشارك ولأول مرة في هذه الحملة لهذا العام تحديدا، ولن اشارك بحملات وسائل التواصل الاجتماعي التي ننشط فيها في هذه الحملة السنوية للتوعية بالعنف المتمثل بالنوع الاجتماعي، لأن العام 2020 قد عرّى لنا جميع انواع العنف المجتمعي، من فقء العيون الى قطع الأيدي، الى المشاجرات اليومية والاشتباكات التي تودي ببعض الأرواح في معظم الاحيان. ولهذا فإننا نحتاج لوقفة مع النفس اولا ووقفة مجتمعية لتقييم ما خلصت اليه هذه الحملات التوعوية في السنوات السابقة، ولنبدأ بعدها بتعديل جذري في نظرتنا للعنف ثم سنّ تشريعات عادلة فيها تطبيق لمبدأ المساواة، حيث بات من الواضح أن فارقًا شاسعًا لا يزال يفصل بين الجهاز القانوني والثقافة المجتمعية.اضافة اعلان
وعندما تأثرت العائلات اقتصاديا جراء الجائحة في هذا العام، صب الرجال جام غضبهم وإحباطهم على النّساء والأطفال، وتزايدت أرقام العنف الأسري بطريقة مقلقة نبهت لها مرارا المنظمات والناشطون في مجال الجندر والتوعية للعنف القائم على اساس جندري. ولكن ما يزال العنف ضدّ النساء قائمًا ومستمرًا وفي جميع أنحاء العالم، لعدم وجود عقاب رادع لمن يمارسونه.
اذن علينا أن نواجه الفكرة الخاطئة بأن العنف ضد النساء والفتيات هو أمر خاص، وشأن عائلي داخلي. فالمنزل والعائلة وثقافة الفرد وتقاليده الخاصة لم تَعُد هي الحَكَم النهائي للفعل المنصف، حيثما كان الموضوع هو العنف تجاه النساء والفتيات. ولكن المقلق في الأمر ان العنف انتشر في كل الفئات، واصبح عنفا مجتمعيا. ولهذا فاذا كانت العائلة هي البيئة التي ينشأ فيها الأطفال ويشكلون وجهات نظرهم بخصوص أنفسهم والعالم والهدف من حياتهم. فلنتخيل اذن كيف سيتحمل المجتمع بنفس تلك الدرجة عبء نتائج الإهمال والإساءة. وفي مجتمع يسوده العنف اللفظي والتحرش والجسدي، كيف يمكن ذلك للعائلة التي هي أصلا متوترة بدرجة لا تُحتمل تحت ضغط اضطرابات نفسية واقتصادية وصحية جراء الجائحة بحسب دراسة نشرتها (الغد).
والسؤال الأهم هو كيف يمكن تأهيل الرجال ليكونوا آباء يدركون مسؤولياتهم العائلية ويقدموا احتراما متساويا لأبنائهم سواء من الذكور أو الاناث. وهذا لا يستثني بالتأكيد دور الأم التي هي المربية الأولى لأطفالها حيث تغرس فيهم القيم الاخلاقية والروحية والاحترام والمواطنة الصالحة وهي أمور أساسية لقدرتها على تربيتهم بطريقة فعّالة لتنمية وتعزيز الاحترام لجميع الناس، حتى يتمّ الحفاظ على عزّة الإنسان وكرامته وخلق فكر أخلاقي يعمّ الكرة الأرضية ويدعم ويحافظ على كل الحقوق الإنسانيّة. ولا شيء غير غرس هذه القيم يمكن أن يُحدث تحوّلًا لدى الأفراد والمؤسّسات، بشكل يؤمّن احترام حقوق الإنسان لجميع البشر.
وعودة للحملة فقد أكدت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس ان اختيار موضوع الحملة لهذا العام (نحن معكم ضد العنف) بسبب الارتفاع الكبير لحالات العنف الأسري وخصوصا خلال فترة الحظر حيث زادت أعداد العنف الأسري خلال 3 أشهر في هذا العام بنسبة 33 % مقارنة بالعام الماضي، وشددت على الاحتياج لوقفة جادة من منظومة الحماية في الأردن سواءً من خلال إعادة التعريف بالخدمات أو تجويدها أو مراجعة التشريعات التي من شأنها ردع المعتدين وتشديد العقوبات خصوصاً في حالات العنف داخل الأسرة لانها تؤثر بشكل سلبي على الأسرة وتقف عائقا في تحقيق التنمية المستدامة.
اذن، تغيير النهج والاستراتيجيات التي اتبعت على مدار الاعلام الماضية، هو ما نحتاجه حاليا، اضافة لخطة تشاركية يسهم فيها جميع شرائح المجتمع وغير دون استثناء في المساهمة بالقضاء على العنف، على اختلافهم: معلمين، ناشطين، سياسيين، علماء أديان، ورجال دين، واعلاميين والمؤثرين على مواقع التواصل، ليشاركوا جميعًا في مسؤولية التوعية بالعنف وآثاره المجتمعية، خاصة ان شبكة الحماية والأمان في حياة المجتمع أصبحت مهترئة بشكل يحتاج لاصلاح جذري.