هل سقطت الشيكات يا دولة الرئيس؟!

قيل لهذه الحكومة مرارا، ولغيرها أيضا، ان عليها ان تجد حلا لملف الشيكات، سواء من حيث كونها وثيقة قانونية للدفع، او تثبيت الحقوق، او من ناحية الأثر القانوني والعقوبات التي تقع بسبب الشيكات، وهي أغرب عقوبات في التاريخ.اضافة اعلان
صاحب الحق، وبحماية قانونية، يسجن المدين، وكلما خرج، يعيده الى السجن دون ان يسأل أحد عن حق الدائن أيضا في مواصلة سجن المدين الى ما لانهاية، فيحرق دم المدين وعائلته ألف مرة، بذريعة شيك قيمته ألف دينار، مسببا ضررا فادحا للمدين، يتجاوز في قيمته الفعلية والمادية، قيمة الشيك المالية، بل ان الدولة تنفق على السجين اضعاف قيمة الشيك، في مرات كثيرة، ولو دفعت قيمة الشيك نيابة عنه لكان اوفر عليها بكثير من سجنه وحراسته وإطعامه.
لا يسأل أحد عما يمكن للمدين فعله، وهو يمضي عمره في السجن، وكلما خرج، عاد، فلا يعمل، ولا ينفق على عائلته، وعلينا ان نعقد المقارنات بين قيمة لشيك ما وعدد شهور السجن، التي يمضيها أحدهم، وقيمتها ماليا لو كان يعمل، وإذا ما كان يحق للدائن أساسا ان يتسبب بخسائر كبيرة مالية واجتماعية، تفوق قيمة شيكه الأساس، فحق الدائن ليس مطلقا، والا بات مثل شايلوك؟
لا يعقل ان يكون هناك مئات آلاف المطلوبين للسجون، او في السجون فعليا، على خلفية قضايا الشيكات المرتجعة، وهي تتزايد يوما بعد يوم، بما يفرض على الحكومة إعادة النظر في كل هذا الملف، وأثره القانوني، فنحن امام حالة تعثر اقتصادي، وشبه افلاس، يجعل الشيك، فاقدا لقيمته اليوم.
اقرأ في تقرير منشور في الغد منذ ثلاثة أسابيع، للزميلة هبة العيساوي، ارقاما مذهلة، اذ يكشف التقرير عن ارتفاع نسبة الشيكات المرتجعة، العام 2018 بنسبة سبعة بالمائة، وبقيمة اجمالية تصل الى مليار وسبعمئة مليون دينار أردني، وفقا لأرقام البنك المركزي. الذي يتأمل الرقم، يصاب حقا، بالصدمة.
نحن امام كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، فالكل يكتب الشيكات، والكل يقبلها، برغم ان الكل لا يدفع، والكل لا يقبض ماله هنا، إضافة الى ان الشيكات باتت فخا يتصيد ضحاياه من البشر، فأنت تحصل على شيك بقيمة عشرة الاف دينار، وتظن إنك ستحصل على مالك، فتكتب مسبقا سبعة شيكات لآخرين، باعتبار ان المال قادم، فلا يأتي شيك العشرة الاف، وتصير أنت مطلوبا لسبعة جهات مختلفة.
كيف يمكن لهذه الحكومة، ان تبقى متفرجة على هذا المشهد، خصوصا، ان الشيك بهذه الصورة فقد قيمته، والثقة به، والمثير هنا، ان القطاعات التجارية وغيرها من قطاعات، وعلى مستوى الافراد، يواصلون كتابة الشيكات، ويواصل مقابلهم كثيرون قبولها، كونها تؤدي الى سجن المتعثر ماليا، باعتبار السجن الضمانة الأهم؟
لا أحد يقول لك، عن الفائدة من السجن أيضا، اذا كان كاتب الشيك، يدرك انه قد لا يدفع، ويقبل ان يذهب للسجن، ثم يخرج، ثم يتم تجديد حبسه، فلا تتوقف ظاهرة الشيكات المرتجعة، بل ترتفع يوميا، دون ان تتراجع حدتها، والمؤكد انها هذا العام، سوف ترتفع اكثر.
لقد آن الأوان، أن يعاد النظر بشأن الشيكات الجديدة، على الأقل، من حيث الأثر القانوني، ومن حيث العقوبة، ومن حيث قيمة الشيك الائتمانية، بدلا من تحول البلد، الى نصفين، نصف يكتب الشيكات بلا رصيد، ونصف له حقوقه، ويلاحق النصف الأول.
نحن هنا لا نتحدث عن حالات النصب والاحتيال، لكن نتحدث عن حالة التعثر الاقتصادي، والانكماش، واختفاء السيولة، وحالة الانجماد، مما يوجب على كل الجهات ذات الصلة، ان تعيد النظر بملف الشيكات، على المستوى القانوني، وذاك المالي، وإذا ما كان الشيك بحد ذاته، سيبقى صالحا للتداول بهذه الطريقة؟
لا نقف الى جانب المطلوبين، فقط، بل الى جانب الذين لهم حقوق أيضا، اذ لا يعقل ان تتواصل قيمة الشيك القانونية، فيقع مئات الآلاف ضحية لها، من أصحاب الحقوق، فيما هي أداة سقطت فعليا، وعلى ارض الواقع، ما يوجب أيضا حماية أصحاب الحقوق عبر رفع الحماية القانونية عن الشيك، من اجل ان يتوقفوا عن قبول شيكات جديدة.
لتمتلك الحكومة الجرأة، ولتجد حلا لهذا الملف.