هل سيتمكن الأردن من استغلال الثورة الصناعية الرابعة؟

في مقال سابق، تحدثت عن أهمية تجاوز طوق التصدير للدول المجاورة وذلك من خلال الوصول الى أوروبا وافريقيا وغيرها من دول العالم. وتساءل بعض القراء عن قدرة الأردن على التنافس على المستوى العالمي وهي الدولة الصغيرة شحيحة الموارد الطبيعية.اضافة اعلان
بالتأكيد التنافس الاقتصادي على مستوى العالم لا يدرك بالتمني، ولا يأتي من فراغ، ولكن بفهم المتغيرات على مستوى العالم والمنطقة وإمكانيات ونقاط القوة والضعف في الاردن وبإقتناص الفرص المتولدة من هذه المتغيرات أو تلك الامكانيات.  هناك انطباعات مغلوطة عديدة علينا تبديدها ومن أهمها أن شح الموارد الطبيعية تضعف من قدرة الاردن التنافسية؛ وأن الاردن لا يستطيع الارتقاء بمنتجاته وخدماته الى المواصفات والمقاييس العالمية وبالتالي أقتحام الأسواق العالمية؛ وأن أي إستثمار آت يحتاج الى إعفاءات ضريبية هائلة حتى تقنع المستثمر بجدوى الاستثمار.
أما فيما يتعلق بشح الموارد الطبيعية، وبغض النظر عن عدم صحة هذه المقولة، فهذا انطباع ينتمي لاقتصاديات  القرن العشرين،أما القرن الواحد ,العشرين فقد أثبت ومنذ أول عقدين بأن تعاظم الثروات لم يأت من الموارد الطبيعية وإنما من موارد غير ملموسة استفادت منها شركات اعتمدت على الثورة التكنولوجية الرقمية الادراكية والاتصالات الانية والطباعة ثلاثية الابعاد ( الثورة الصناعية الرابعة)  والتي ساهمت بمجموعها في اعطاء ميزة تفضيلية للشركات بناء على قدرتها على احداث تغييرات جوهرية مفاجئة (disruptions) في جزئيات من العملية الانتاجية او من خلال طرح بدائل لم تكن متوفرة سابقا للمستهلك ولم تعتمد على إقتصاديات الحجم (economies of scale). ولشركات الدول الصغرى كالاردن فرص لا يستهان بها في أخذ حصتها من هذا التحول والذي في مجمله لا يعتمد بشكل رئيس على الموارد الطبيعية وانما  يحتاج الى توافر البنية التحتية وبدائل الطاقة وبيئة مواتية للاستثمار ومستوى متميز من التعليم. وبالطبع لسنا في المرتبة التي نريد في هذه المعطيات، ولكننا لسنا بعيدين أيضا اذا ما تداركنا أمرنا وانعطفنا بالاتجاه الصحيح.
أما لمن يشك في قدرة الاردن على اقتحام الاسواق الخارجية، فنقول: ان كل ما نحتاج اليه هو استعراض سريع ليس فقط لما هو ممكن، ولكن لما هو قائم حاليا. فنحن نعلم ان شركاتنا ركزت تصديرها في التسعينيات من العقد الماضي على السوق العراقي وتضررت كثيرا من جراء إقفال الحدود،كما أن اقفال الحدود الشمالية اربك كل عمليات التصدير والاستيراد مع سورية وتركيا ولبنان وخاصة من مدخلات الانتاج. ولكن هل ندرك أن العديد من شركاتنا الوطنيةنجحت في اقتحام اسواق عالمية في أميركا وكندا وأوروبا؟ وأنها لم تقتصر على قطاع الملابس والمحيكات وانما تعدته لتصدر أجهزة كهربائية الى الولايات المتحدة والمانيا والدنمارك، ولتصدّر برامج كمبيوتر الى دول العالم (ولا نقتصر فقط على التعريب)و خدمات مختلفة مثل خدمات مراكز الاتصال، وخدمات السياحة العلاجية ؛ ليس فقط الى الدول العربية مثل ليبيا واليمن ولكن الى مرضى أجانب يتناقلون أخبار كفاءة ونوعية الخدمات الطبية الأردنية بالاضافة الى العديد من الخدمات والسلع الاخرى.الا أن ما يجمع بين هذه الشركات أن نطاقها ما زال ضيقا وحجمها ما زال صغيرا جدا نسبة الى الناتج المحلي ككل. وأذكر خبيرا من مؤسسة الانكتاد في الأمم المتحدة تساءل عن سر تعدد المنتجات الاردنية المصدرة ولكن، وبإستثناء قطاع الادوية، استمرارها كحالات فردية وعدم قدرتها على تشكيل قطاعات تنافسية على المستوى العالمي.
أما فيما يتعلق بالاعفاءات الضريبية وجدوى الاستثمار، فقد أثبتت دراسة بعد الأخرى وعلى مستوى الأردن والعالم ككل أن الإعفاءات الضريبية ليست هي ما يحسم موضوع الاستثمار أو عدمه، بل ان ما يشجع على الاستثمار هو استقرار البيئة التشريعية والضريبية والامتناع عن فرض ضرائب غنائمية مفاجئة ومعاملة المستثمرين المحليين والخارجيين بالمثل دون تفضيل وضبط الاجراءات البيروقراطية والفساد الاداري، وتقديم الدعم النوعي الذي يساعد قطاعات تقليدية في الصناعة والزراعة والخدمات على تطوير المنتجات وإيجاد أسواق بديلة، وربط أي إعفاءات جديدة بقدرة الصناعات والخدمات على ولوج اسواق خارجية جديدة بسلع وخدمات جديدة ولفترات محددة.
أعود للقول بأن التنافس الاقتصادي على مستوى العالم لا يدرك بالتمني، ولا يأتي من فراغ ، وعليه نحن بحاجة الى تكاتف الجهود والى تفعيل سياسة تصديرية للسلع والخدمات تساعد القطاع الخاص على الخروج من عنق الزجاجة وتسهم في نقل الاقتصاد الاردني من اقتصاد ريعي تقليدي متدني الانتاجية الى اقتصاد متطور، منتج، منافس ومصدر. الثورة الصناعية الرابعة ستجعل من هذا التحول ممكنا لدولة كالاردن. هل سنجعله حتميا؟