هل سيصبح اليمن سورية التالية؟

حوثيون يلوحون بخناجرهم في اليمن - (أرشيفية)
حوثيون يلوحون بخناجرهم في اليمن - (أرشيفية)

بيتر سالزبوري - (فورين بوليسي)

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

6/3/2015
ترتسم خطوط المعركة راهناً في اليمن؛ أفقر بلد في العالم العربي، وأحدث المرشحين فيه ليكون دولة فاشلة. وإذا ما اندلعت حرب مفتوحة فيه، كما تبدو الاحتمالات المتصاعدة، فإن حاله سيصبح أسوأ بكثير نتيجة المنافسة التي سنشهدها بين العربية السعودية وإيران على النفوذ الإقليمي. وقد بدا كل من القوتين تواقاً إلى تسليح المجموعات التي تعتقدان بأنهما تستطيعان السيطرة عليها، رغم الإرث الذي تركته هذه الخصومة الهدامة أصلاً في كل من سورية والعراق. وإذا تكررت القصة في اليمن، فإن ما كان قد بدأ كصراع على السلطة تكمن إدارته بين الفصائل المتنافسة، يمكن أن ينحدر بالبلد إلى أتون حرب أهلية وحشية تصبح طائفية بازدياد، والتي من شأنها تقطيع أوصال اليمن.
أصبح احتمال نشوب صراع منهك يتزايد منذ سيطرة الحوثيين، الميليشيات الزيدية الشيعية على العاصمة اليمنية، صنعاء، في أيلول (سبتمبر) الماضي بمساعدة قبائل شمالية أخرى -كما يصبح ظاهراً بازدياد: إيران. وبعد هربه من العاصمة في شباط (فبراير) الماضي سحب الرئيس اليمني الذي يعاني، عبد ربه منصور هادي، رسالة استقالة كان قد قدمها تحت الإكراه. وهو يخطط الآن لتشكيل مجلس وزراء جديد في عدن؛ المدينة الميناء الجنوبية التي كانت تعج بالنشاط ذات مرة، مما يعني من الناحية الفعلية تشكيل حكومة منفى في داخل اليمن نفسه.
وفي الأثناء، لم يذهب صعود الحوثيين من دون أن تلاحظه الرياض. وكان السعوديون قد فشلوا في إلحاق الهزيمة بهم في سلسلة من الاشتباكات في العام 2009، وهم يرون فيهم نائباً خطيراً عن الإيرانيين، والذي يسعى إلى السيطرة على بلد مجاور هش. ويوم 26 شباط (فبراير) الماضي، قال مساعد للرئيس هادي لوكالة رويترز إنه في إشارة إلى دعم للرئيس هادي، وصل السفير السعودي لدى اليمن إلى عدن لاستئناف مهامه هناك. وفي اليوم التالي، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها سترسل هي الأخرى سفيرها إلى عدن. وتطفو شائعات مفادها أن جيران اليمن يعدون العدة لتبني حكومة هادي الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج تتوافر على القليل من الثقة في الرئيس هادي الذي سلم العاصمة اليمنية للحوثيين بدون الكثير من القتال. لكنه إذا كان راغباً الآن في المضي قدما في الهجوم المضاد، فإن جيرانه سيدعمونه بالأموال والأسلحة. وسيكون هو والائتلاف الناجم من رجال القبائل والانفصاليين، والأكثر ترجيحاً المتشددين الإسلاميين، بمثابة الطرف الذي سيشكل مواجهة الدول الخليجية ضد الحوثيين.
يعرف الحوثيون ما سيأتي ويبدو أنهم مستعدون له. ففي كلمة له يوم 26 شباط (فبراير) الماضي، شن زعيم المجموعة، عبد المالك الحوثي، هجوماً قوياً على هادي والعربية السعودية والولايات المتحدة، واتهمهما بالتعاون من أجل تحويل اليمن إلى نظام تابع. ولعل من المفارقة أن يدين الحوثيون، الذين طالما اتهموا بتلقي الدعم من إيران، منافسيهم بأنهم ألعوبة بيد الأجانب، خاصة وأن أملهم الوحيد لهزيمة ائتلاف مدعوم سعودياً في حال نشبت الحرب، سيكون الميل بصورة أكبر إلى الاعتماد على الدعم الإيراني. ويوم الثاني من آذار (مارس)، أعلنت حكومة إيران عن التوصل إلى صفقة مع الحوثيين للبدء بتسيير رحلتين جويتين يومياً إلى صنعاء، موفرة بذلك خط حياة حيوياً للمجموعة، ومثيرة بلا شك غضب السعوديين أكثر فأكثر.
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تقوي فيها الرياض -وواشنطن- بدون أن تقصدا الروابط الحوثية-الإيرانية. كان السعوديون، والولايات المتحدة بدردجة أقل، قد دعموا الحملة العنيفة التي قادها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ضد الحوثيين، محولينهم في أوج الحرب من حركة إحياء ديني إلى ميليشيات مفعمة بالقوة. واستمرت الولايات المتحدة في تزويد صالح بالأسلحة والتدريب لمقاتلة تنظيم القاعدة، رغم توفر دليل على أنه كان يلقي بهذه الموارد داخل حربه مع الحوثيين.
كما لا يعد تدخل دول الخليج وواشنطن في اليمن تطوراً جديداً. ثمة تاريخ طويل للعربية السعودية في الدعم المتقطع لفصائل مختلفة في اليمن، كما أن إعطاء واشنطن الأولوية لمصالحها الأمنية على الأمور التافهة، مثل الدمقرطة أو حكم القانون، ساعد في تأمين آخر عقد لصالح في الحكم قبل عزله بسبب ميوله الأوتوقراطية في انتفاضة العام 2011. وقد أسر لي محلل محلي في صنعاء مؤخراً قائلاً: "بالكاد يستطيع (الأميركيون ودول الخليج) الادعاء بأن الإيرانيين يزعزعون الاستقرار الذي كانوا قد كرسوه في اليمن، أو لوم الحوثيين على تطلعهم إلى مكان آخر للحصول على الدعم، فهل يستطيعون؟".
ثمة احتمال مخيف من أن دروس الماضي -الدروس المستقاة من العراق وليبيا وسورية- لم يتم تعلمها. إن إيران ودول الخليج هي أكثر من سعيدة للتعامل مع اليمن كميدان معركة بالنيابة، بغض النظر عن المحصلة. كما أن من المحتمل كلية أن تدعم الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية الدول الخليجية متى ما ذهبت إلى الحرب. فإذا اندلعت حرب على طول خطوط طائفية، فلن يكون اندلاعها لأن ثمة جذورا للانقسامات التاريخية في اليمن، بل لأن الممولين الأجانب للحرب يسعرون انقسامات غير مهمة سابقة. ولن تكون هذه هي المحصلة الحتمية لخصومات طويلة الأمد، وإما تكمن المحصلة في نبوءة مأساوية محققة للذات.
من السهل جداً رؤية بلد مثل اليمن على أنه منقسم بشكل متأصل على طول خطوط إيديولوجية، سواء كانت خطوطاً سنية في مقابل شيعية، أم انفصالية في مقابل وحدوية، أو ديمقراطية في مقابل سلطوية. كما أن من المغري السقوط في شرك مضلل يتمثل في رؤية الفصائل المختلفة في البلد وهي تعمل وكلاء بالنيابة للقوى الإقليمية الكبرى، والتي تكون مطواعة لإرادة الرياض أو طهران. لكن هذه تحريفات مضللة. وفي الحقيقة -وكما كتبت مؤخراً في ورقة في تشاثام هاوس- فإن الصراع في اليمن يقاد بفعل قضايا محلية أو منافسات إيديولوجية. وما يزال النفوذ الخارجي من الناحية التاريخية مقصوراً على محاولات لاستغلال -ومفاقمة- هذه التوترات.
المعروف أن اليمنيين براغماتيون أكثر منهم إيديولوجيون في الجوهر، والذي عادة ما يستغلون الأجندات الخارجية لخدمة مصالحهم الشخصية الخاصة وليس العكس. وقبل استيلاء الحوثيين على صنعاء، فعل هادي النزر اليسير لوقف تقدمهم -لكن هذا لم يوقفه عن استغلال المخاوف السعودية لتأمين مليارات عدة من دولارات التمويل. وربما عمد الحوثيون إلى التعويل على إيران لأنه لم يكن أحد آخر راغباً في مد يد العون إليهم. وكان صالح سيد اللعبة، مستغلاً المخاوف السعودية والأميركية من القاعدة والحوثيين لتعزيز موقفه الخاص. لكنهم مرة في إثر مرة توقفوا عن تفجير حرب كارثية شاملة.
حتى الآن، ما يزال اليمن -لحسن حظه الكبير- يحتل مرتبة دنيا في سلم أولويات القوى الإقليمية. وكان الدعم الخارجي كافياً وحسب لاستدامة النزاعات الداخلية وليس لخلق حرب دائمة. أما راهناً، وبينما تتحفز القوتان الرئيسيتان في المنطقة للدخول في العمل، فإن كمية الموارد التي تُصب في اليمن ستنمو، ومعها الخطاب السياسي والمخاطر. وستحتل البراغماتية مقعداً خلفياً في الصراع الذي يصبح وجودياً بازدياد، وهو صراع لن تكون إيران والدول الخليجية أكثر قدرة على السيطرة عليه مما كان حالها مع الصراع في العراق وسورية وليبيا. وكما شاهدنا في أماكن أخرى في المنطقة، فإنه عندما تبدأ هذه الدورة، يكون من الصعب جداً لجمها ووضع حد لها. وسيكون حتى إعادة وضع الغطاء على صندوق البندورا أسهل.
يفاخر اليمنيون بثقافتهم طويلة الأمد من التعايش الفوضوي الساحر. وحدثني سائقي في صنعاء، الجنتلمان في أوائل الخمسينات من العمر، مرات عدة كيف أنه حتى السنوات المبكرة من الألفية الجديدة، نادراً ما فكر في المكان الذي يذهب إليه للصلاة أو مع من يتحدث في الشارع. المسجد كان مسجداً والإسلام إسلاماً واليمنيون يمنيين. وإذا ذهب البلد إلى حرب جدية، فإن هذه الذكريات ستتلاشى بسرعة. وما لم يؤت أكله في العراق وليبيا وسورية لن يؤتي أكله في اليمن. ولعل من المؤسف أن ذلك من غير المرجح أن يوقف المشتبه فيهم الاعتياديين -العربية السعودية وجاراتها الخليجيات وإيران وروسيا، ونعم، الولايات المتحدة الأميركية- عن إنتاج دوامة أخيرة أخرى.

اضافة اعلان

[email protected]
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان: Is Yemen Becoming the Next Syria?