هل سيكون العالم على قدر المسؤولية؟

تهاني روحي على خلفية الأحداث المناخية القاسية التي شهدناها في هذا العام، مرورا بأزمة الطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا، والبيانات العلمية التي تؤكد أن العالم لا يفعل ما يكفي للتصدي لانبعاثات الكربون والتضخم العالي وشبح الأزمة الاقتصادية الذي يلوح في الأفق، وتتبعها أزمة الطاقة وأزمة الغذاء. فإن الـ200 دولة المشاركة في قمة المناخ المنعقدة خلال اسبوع في شرم الشيخ ما تزال تجزم بضرورة التحرك واتخاذ خطوات عملية أسرع من أجل خفض حرارة الكوكب. وبالرغم من المداولات والتعهدات الكثيرة التي حصلت خلال القمة، فما تزال شعوب العالم تنتظر من المجتمعين التنفيذ الفعال والعادل لخفض الانبعاثات والاحتباس الحراري، للحد من الكوارث المناخية التي تضرب مختلف المناطق في العالم مسببة ضحايا وخسائر ضخمة. وعلى الصعيد المحلي، فإن الأردن قد تأثر من هذه التغيرات المناخية، فالهطل المطري انخفض، ولا بد من خطة للتكيف مع هذا الواقع الجديد. وقد تم اقرار السياسة الوطنيّة للتغيّر المناخي في الأردن للأعوام 2022 – 2050، والتي تهدف إلى الحدّ من انبعاثات الغازات الدفينة في جميع قطاعات الاقتصاد؛ للمساهمة بالجهد العالمي لتحقيق استقرار المناخ والتي تصبّ بخطة النمو الأخضر. لكن ما تزال ثمة تساؤلات مطروحة على طاولة المفاوضات حول الآلية التي ستنفذ الدول فيه التزاماتها بالحفاظ على درجة حرارة الكوكب، في ظل تداعيات غير مسبوقة لتغيرات المناخ، وكيف سنضمن تدفق التمويل لمساعدة الدول النامية لتنفيذ برامج للتكيف بصورة عادلة. لا شك بأن هذه المناقشات ستمهد الطريق لإجراء أول تقييم عالمي خلال مؤتمر المناخ في العام القادم، عن التقدم العالمي الجماعي بشأن التخفيف والتكيف وسبل تنفيذ اتفاق باريس، خاصة وقد نبه الأمين العام للأمم المتحدة الحاضرين بأن الفوضى المناخية هي السبب في الصراعات العالمية وأن الإنسانية تخوض معركة بقاء في مواجهة التغير المناخي. كل هذه التحذيرات والتي ستطالنا جميعا تجعلنا ننظر إلى هذا التحدي عبر منظار آخر - منظار يتصور البشرية ككل موحد، فخلايا الجسم البشري اللامتناهية عدديا من الخلايا المختلفة في الشكل والوظيفة، الا أنها متحدة في الهدف المشترك الذي يسمو فوق الغرض الذي صنعت من أجله أجزاؤه المركبة. فهذا من شأنه أن يعيد صياغة وتشكيل أنماط من التفاعل البشري عفا عليها الزمن واتسمت بكونها غير عادلة، لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا كأعضاء عائلة بشرية واحدة. لا بد للتقدم إلى أبعد من مجرد مجتمع دولي يحركه نظام اقتصادي منفعي في مجمله، بل إلى حيث يتشارك الكل في المسؤوليات لتحسين بيئة هذا الكوكب الذي نتقاسمه. أسئلة صعبة ومتشابكة تظهر علاقة المناخ العابر للقارات والذي لا يعرف الحدود، لها علاقة وطيدة بالعدالة والإنصاف والمسؤولية والالتزام. وبينما ما تزال المجتمعات المحلية وصانعو السياسات في مختلف أنحاء العالم حائرة عن وجود حلول لهذه الأسئلة، ومدى جدية تنفيذ الوعود والالتزامات. إنها فرصة لاتخاذ الخطوة التالية في عملية الانتقال من حالة تصبح فيها الدولة هي النواة المركزية إلى أخرى تتأصل جذورها في الوحدة التي تربطنا كمواطني عالم واحد. وهنا تتضح الحاجة إلى اتباع نهج جديد يركز على مبادئ العدالة والإنصاف لمواجهة الآثار المدمرة للتغير المناخي التي تفاقمت بسبب الانانية. ان مؤتمر المناخ، ليس مجرد اجتماع سنوي ينتهي بصورة جماعية لا تخفي الابتسامات الباهتة التي يجهد الرؤساء في رسمها، بل هو مكان للتشاور؛ يسعى إلى إعادة صياغة التفاعل البشري الغير عادل لتحل محلها أنماط أخرى تعكس الروابط والعلاقات التي تجمعنا. فلم نعد نحتمل قرارات وتوصيات هلامية ختامية ووعود غير تطبيقية. فإذا ما أردنا التقدم، علينا الإصرار بأن يتشارك الكل في المسؤوليات لازدهار جميع الشعوب، كما يجب أن تتغلغل جذور هذا المبدأ في وجدان المشاركين. الاستجابة للتغير المناخي، تتطلب تغيرات عميقة على مستوى الفرد والمجتمع ودول العالم. فالتغير المناخي، يحتاج الى تضييق الفجوة ما بين الفقر المدقع والغنى الفاحش، والمساواة بين الجنسين، والتنمية والتي تسعى للاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية بطريقة تسير لترقية وازدهار الناس كافة، فهل سيتحقق كل ذلك في كوب 38؟ المقال السابق للكاتبة اضافة اعلان