هل فعلا "الغريق يتعلق بقشة"؟

لا يكاد يمر يوم إلا وأسمع هذا المثل يتردد على لسان أحدهم محاولاً تبرير إصراره على انفاذ قرار ينافي العقل والمنطق غالبا ما يتعلق بصحته او صحة شخص يهمه, وعندها يلح علي سؤال: هل انقذت القشة يوما ما غريقا. عادة ما يلجأ الانسان عند اتخاذه لقرار ما الى تعظيم الفوائد المنتظرة وتبخيس الثمن الذي قد يترتب على هذا القرار مستنداً الى معطيات زائفة يتعامل معها بانتقائية؛ يأخذ منها ما يؤيد رأيه ويتجاهل ما يخالفه بغض النظر عن مدى وجاهة هذه الأخيرة. فعندما يصاب الانسان بمرض عضال وخاصة في مراحله المتقدمة؛ فإنه والمحيطين به يحاولون مقاومة الواقع والهروب من مواجهته؛ لذلك تجدهم يقعون فرائس سهلة لبائعي الأمل الزائف، فشتان ما بين الأمل المستند الى الحقائق العلمية “المعلومة من العلم بالضرورة”، وبين مطاردة السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً حتى اذا جاءه لم يجده ووجد هلاكه عنده!! لقد ساهمت القصص المتناقلة عن معجزات ولى عصرها،أو حبكات من وحي خيال هوليوود الخصب؛ في تعزيز ثقافة انتظار المعجزات لدينا، رغم يقيننا أن لهذا الكون سننا ثابتة لا يتم كسرها إلا نادراً؛ ولحكمة ربانية ‘وضمن أضيق المنطق ولا يصح أن تصبح هذه النوادر الأساس الذي نبني عليه قراراتنا. لقد ساهمت مطاردة الوهم وانتظار معجزات لن تتحقق في ثراء الكثيرين من محترفي تجارة بيع الوهم؛ ولا يقتصر ذلك على دول العالم النامي فقد صدم الناس من التقرير الذي نشرته وسائل الاعلام البريطانية عن مرضى يقومون ببيع ممتلكاتهم بغية الحصول عل علاجات لم تستوف مراحل اثبات الفعالية في عيادات خاصة لعلاج السرطان في ألمانيا، تستقبل المرضى والباحثين عن “ قشة “ من مختلف دول العالم لتعالجهم في أجواء تُغلفها الضبابية “؛ وهذه ليست طبعا المانيا” بأدوية غير مقررة مقابل مئات آلاف الدولارات، لتكون النتيجة الموت المحتم الذي يخلف الفقد والفقر، وليس بعيدا عن هذا السياق آلاف الأميركيين الذين يعبرون يوميا الحدود مع المكسيك علهم يجدون فيها قشة لم يجدوها في الولايات المتحدة. جميل أن يتحلى الإنسان بالأمل؛ بل نحن مطالبون بذلك شرعا، لكنه الأمل المستند الى العلم، وليس الى الخرافات والاساطير, فصاحب مثل الغريق والقشة أمسك عن إكمال نهاية القصة وهي الغرق المحتم، فالقشة لم تنقذ يوما غريقاً؛ لكن بسببها تمتلئ أسرة المستشفيات ووحدات العناية المركزة بمرضى لا يرجى شفاؤهم؛ كان يمكن أن يُعالجوا من قبَل أطباء الرعاية التلطيفية في بيوتهم وبين احبتهم،او في اقسام مهيأة لرعايتهم وتخفيف آلامهم والحفاظ على كرامتهم الانسانية. لقد جبل الانسان على حب الدنيا وكراهية الموت؛ لكن الحياة لا تقاس بعدد الايام التي نقضيها على وجه هذه الارض،ولا بأرقام ومنحنيات نطاردها على شاشات اجهزة المراقبة الحثيثة؛ وانما بنوعية هذه الحياة، فكم من حي ميت!!اضافة اعلان