هل كان القومي قوميا؟

المرحلة التي تمر بها المنطقة، والعرب، تستدعي إعادة قراءة الكثير من المفاهيم والبديهيات، وإعادة تقليبها بين اليدين، بصدق، دون مراوغة.
هل كان العربي القومي قومياً حقاً طيلة العقود الماضية؟ كيف إذاً سقطت بغداد وظلت فلسطين رهن الخطف أكثر من سبعين عاماً. ولماذا تتمدَّد قوميات أخرى معادية الآن على حدودنا وتتمطَّى دون أن يستفز ذلك “قومية” أحد ؟اضافة اعلان
هل كان العربي وطنياً طيلة العقود الماضية؟ لماذا إذاً لم نشهد قيام أي مشروع حكم وطني منذ كذا عقد من الزمان، وحين نشب الربيع العربي وتهاوت أنظمة مذمومة لم ينهض مكانها أي مشروع وطني للحكم، وتعرضت بنية “الدولة” الوطنية للتقويض ولم يسارع للالتفاف حولها أحد؟!
هل كان اليساري العربي يسارياً حقاً طيلة العقود الماضية ؟ لماذا إذاً انتهى الأمر باليساريين وزراء ورجال دولة وشعراء بلاط في كثير من دول المنطقة، وانصرفوا الى نصرة “الحاكم” ظالماً أو مظلوماً !
ولم نشهد “يساراً” عربياً واحداً يحمله برنامجه الى سدّة الحكم، حين صارت سدّة الحكم في “الربيع” متاحة لأي حزب بما فيها تلك التي ولدت وترعرعت تحت الأرض وفي أقبية السجون !
هل كان الماركسي ماركسياً حقاً وهو يبايع الجلّاد ويخلع عليه عباءته، ويبارك له ما يفعله بالناس من قتل وذبح وسبي ورمي بالبراميل !
هل كان “الإسلامي” العربي إسلامياً حقاً وهو يصعد من أقصى النبذ الى سدّة العرش الذي طالما هجاه، فيستلم الحكم ويمد يده لـ “الكفار” على أعلى المستويات، وحين يسقط لا أحد يغضب مثل أميركا لسقوطه، ولا أحد مثلها يبذل الغالي والنفيس لإعادته، حتى كادت هيلاري كلينتون ترفع إشارة “رابعة” في بعض مؤتمراتها الصحفية ! 
وهل كان الإسلامي العربي إسلامياً حقاً وعربياً حقاً حين بايع المرشد في بلاد أخرى وراح يُعمل قتلاً وذبحاً في الطائفة الأخرى!
هل كان العربي المسلم عربياً مسلماً حقاً وهو يسبي نساء العربي المسيحي ويبيعهن في سوق النخاسة الجديد!
كل هذا يعيدنا الى مراجعات لا بد منها، للبنى الفكرية الهشة والمسطحة التي قامت عليها الأحزاب العربية منذ مطلع القرن الماضي، والتي لم يجر اختبارها فعلياً على الأرض الا منذ عشر سنوات، حيث أظهرت ميكافيلية بشعة، بل وحتى غير متقنة، حين لم يستطع المعارض ان يبقى معارضاً ولا أن يتحول الى جزء حقيقي وفاعل من بنية الحكم، وتحول الى نموذج مسخٍ وبائس، بل إن بعض اليسار قفز الى الخندق النقيض والتحق بتنظيم ديني ليطهّر نفسه، أو في أحسن الأحوال صار مدير دائرة حكومية في بلده !
ويعيدنا الى مراجعة مُسلَّمات وبديهيات: ما الوطن ؟ ما القومية ؟ أين يقع الدين في العلاقة بين الوطن والمواطن، ثم بين الاثنين من جهة وبين القومية من جهة ثالثة ؟
من يعيد ترتيب المفاهيم والأولويات ويتولى التربية الوطنية والفكرية على أنقاض التربية الفاشلة التي أودت بأجيال كاملة صدَّقت حلمها وتبعته!
كيف كان لنا أن نصدق حزباً يسارياً او قومياً يناهض الحكم منذ خمسين سنة بنفس الأمين العام دون ان ينظم انتخابات لمكتبه السياسي مرة واحدة، في الوقت الذي غير “النظام الغاشم” رئيسه ثلاث مرات!