هل من انعطافة تاريخية بين إيران والعرب؟

تقدم الانعطافة السياسية التركية الاخيرة، باتجاه ترطيب العلاقات مع روسيا، وبصورة ما ايضا، استعادة الزخم لعلاقة تركيا مع العدو الاسرائيلي، نموذجا سياسيا متبعا في العلاقات الدولية ومقاربات المصالح بين الدول، وهي يمكن ان تقدم مدخلا لمناقشة حالة الاستعصاء والانغلاق التي تطبع علاقة الكتلة العربية المشتبكة اليوم بصراع طاحن وغير مباشر مع ايران، وهو صراع ممتد منذ اكثر من ثلاثة عقود، وتصاعد بصورة خطيرة منذ احتلال بغداد العام 2003.اضافة اعلان
ليس المجال هنا لمناقشة حيثيات الانعطافة التركية تجاه العلاقة مع روسيا، بعد ان تسببت رعونة اردوغان و"مقامراته" في سورية، ولاحقا مع روسيا، في دخول تلك العلاقة بأزمة أضرت بصورة أساسية بتركيا. كما اننا لسنا هنا بوارد الحديث في عودة الحرارة للعلاقة التركية الاسرائيلية، والتي ستكون بلا شك على حساب قضية فلسطين والمصالح العربية.
لكن الانعطافة التركية بالحالتين، وتحديدا مع روسيا، تؤشر الى اهمية مراجعة الدول لسياساتها الخارجية وعلاقاتها مع القوى والدول الاخرى، اذا ما ثبت لها خطأ سياساتها السابقة او عدم تحقيقها لمصالحها.
انطلاقا من ذلك، تبدو غير مفهومة ولا مقبولة حالة الاستعصاء والانغلاق في العلاقة العربية والخليجية مع ايران، وحرص اطراف فاعلة في الجانبين، على ابقاء العلاقة باطار الصراع، رغم ما جره ذلك من مصائب على المنطقة واضرار بمصالح الطرفين، بل والأسوأ ان هذا الصراع، الذي انزلق سريعا لمستنقع الطائفية بين سنة وشيعة، ادخل المنطقة وشعوبها بأتون حروب بتغليفات دينية وعقدية، باتت تأكل الاخضر واليابس، في العراق وسورية واليمن والبحرين وغيرها من ساحات عربية.
لا يحتاج الأمر الى عبقرية او ذكاء كبير لاستخلاص خلاصة اساسية في هذا الصراع العربي الايراني المحتدم، وهي انه صراع مفتوح ومتدحرج بأخطاره وتشعباته، ولا يمكن له ان ينتهي بانتصار طرف على آخر، خاصة وان هذا الصراع، الذي نؤمن ان حقيقته سياسية ومجرد نزاع مصالح ونفوذ، استثمر الجانبان فيه بالبعد الطائفي الديني، وباسترجاع احقاد تاريخية كنا نعتقد ان الزمن قد عفا عليها، ما نقل بديناميكيته الصراع والخلاف لمساحات خطيرة يستحيل انتصار طرف فيها على الاخر.
ان كانت هذه الخلاصة هي الحقيقة، واظنها كذلك، بغض النظر عن التفاصيل الكثيرة للصراع الايراني العربي، فان مصلحة الشعبين العربي والايراني ودولهما اليوم، تدفع باتجاه طريق بديلة وواحدة لمسار الاشتباك والنزاع الحالي، وبما يصب في مصلحة الطرفين الجارين، اللذين لن يتمكن احدهما بالمحصلة من القضاء على الاخر، ولا إنهاء كونه جارا جغرافيا، ناهيك عن الاشتراكات الثقافية والدينية وغيرها بينهما.
ترسيم خطوط وابعاد الازمة والصراع بين الكتلتين العربية والايرانية، والبحث عن المصالح المشتركة بين الطرفين، وتسوية ومعالجة نقاط الخلاف والمصالح المتضاربة بينهما لا يحتاج اليوم الا لتوفر الارادة والوعي الحقيقي لدى الطرفين اللذين يتحمل كل منهما جزءا من المسؤولية عن تدهور العلاقة بينهما، والارتقاء الحقيقي لمستوى المسؤولية في الجانبين تجاه شعوبهما.
ان كانت الولايات المتحدة والغرب قد تمكنا من الوصول الى اتفاق تاريخي مع ايران، بعد حوار استراتيجي، اسس لانهاء ازمة كانت مستحكمة بين الطرفين منذ وصول الثورة الايرانية للحكم العام 1979، وكادت مرارا تصل الى مرحلة النزاع المسلح، فان الطريق البديلة المطلوبة للعلاقة الايرانية العربية اليوم، تبدأ من اطلاق مثل هذا الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، ولا أعتقد أن حجم الخلافات والتناقضات بين الجانبين تفوق تلك التي كانت موجودة بين ايران والغرب قبل الاتفاق الاخير.
قد تكون الانعطافة السياسية المطلوبة من ايران والدول العربية، والسعودية بصورة خاصة، هي في ضرورة إعادة تعريف الصراع والخلاف بين الجانبين ووضعه في نصابه الحقيقي، وهو أنه صراع سياسي وقائم على المصالح والنفوذ، وأن البعد الطائفي/ الديني الذي بات يغلفه ما هو إلا نوع من انواع الاسلحة والادوات المستخدمة في الصراع.. وهو بالمناسبة سلاح ثبت انه لا يقل خطورة عن اسلحة الدمار الشامل!