هل من جديد في إعلان الجولاني؟

لم تر واشنطن في إعلان أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة في سورية، فك الارتباط مع تنظيم القاعدة، سوى تغيير في المسميات، لن يمحو اسمها من قائمة الجماعات الإرهابية.اضافة اعلان
أما تركيا التي وفرت لسنوات دعما لوجستيا هائلا للتنظيمات الإسلامية المتشددة في سورية، فلم تكترث لقرار "النصرة" بتغيير مسماها، في ظل انشغال نظام أردوغان بمعالجة تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة، وانفتاح أنقرة على موسكو؛ حليفة النظام السوري وصاحبة اليد الطولى في سورية. وفي معرض إجابته عن سؤال بهذا الخصوص، قال وزير الخارجية التركي إن الرئيس رجب طيب أردوغان ذاهب إلى موسكو في التاسع من الشهر المقبل، لتنسيق جهود الطرفين لمحاربة تنظيمي "داعش" و"النصرة" الإرهابيين.
هي، إذن، رسالة من الأتراك تؤكد بما لا يترك مجالا للشك أنهم في طور إعادة التموضع في سورية؛ ليس لجهة التقرب من نظام الأسد، بل الانخراط في الجهود الأميركية والروسية لمحاربة الجماعات المتطرفة في سورية، والتي اكتوت تركيا بنار إرهابها.
باختصار، لم يعد لتركيا التي تناشد العالم مساعدتها في محاربة الإرهاب التركي ممثلا بجماعة فتح الله غولن، فرصة للتمسك بالمقاربة السابقة في سورية.
ذلك وسواه من المتغيرات في مواقف القوى الدولية والإقليمية، يبعث على القول إن قرار "النصرة"، فضلا عن كونه خطوة شكلية، فإنه تأخر كثيرا، إلى الحد الذي أفقده قيمته، بالنظر إلى ما تشهده الأزمة السورية من تحولات، توحي كلها بأن فرص التقدم بالحل السياسي باتت معدومة تماما.
وحتى بالنسبة لأولئك المتفائلين بإمكانية حدوث اختراق على جبهة المفاوضات، فإن إعلان الجولاني لا يعدو أكثر من محاولة مكشوفة لن تنطلي على المجتمع الدولي.
لقد بدلت "جبهة النصرة" اسمها، وأصبحت منذ الأمس "جبهة فتح الشام". لكن ماذا تغير في منهجها؟
لا شيء تقريبا؛ فهى تتمسك بنفس الخطاب المتشدد لتنظيم القاعدة، والذي لا يختلف في شيء عن خطاب "داعش".
ثمة أسئلة أساسية لم يجب عنها الجولاني؛ هل تقبل جبهته بدستور مدني لسورية في المستقبل؟ وهل هي مستعدة للقبول بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في حال مضت سورية على طريق التغيير؟ أين تقف جبهته من حق القوى السياسية الأخرى، غير الإسلامية، في العمل الحزبي والتعددية السياسية؟ هل تقبل وجود وسائل إعلام حرة ومستقلة؟
لم يقترب الجولاني من هذه الأسئلة في خطابه المتلفز؛ اكتفى بالكشف عن وجهه للمرة الأولى، وتغيير العمامة ليبدو بمظهر شامي.
الأطراف العربية والإقليمية التي سعت طوال السنة الماضية لإقناع "النصرة" بتبديل جلدها وفك ارتباطها بالقاعدة، ترى في قرار الجولاني خطوة على طريق إعادة تأهيل الجبهة للانخراط في العملية السياسية، تستحق الدعم. لكن المرجح لغاية اللحظة أن المسار الدامي للأزمة السورية، والتحولات العميقة في موقف القوى الدولية، وبما أفضت إليه من تغيير في الأولويات، وضع محاربة الإرهاب على رأس أجندتها، سيجعل من خطوة "النصرة" قفزة في الهواء، لن تجد من يحفل بها.
لقد أكدت تجارب سابقة أن التحول عن المركزية في قيادة الجماعات المتطرفة، يؤدي في معظم الأحيان إلى ولادة فروع أكثر تطرفا ووحشية من التنظيم الأم. ولنا في "داعش" خير مثال.