هل من رابح في سورية؟

بعد أربع سنوات من الصراع الدائر في سورية، لا بد من طرح السؤال حول نتائج هذا الصراع على الأرض؛ ليس بحسبة الربح والخسارة البسيطة، وإنما بأبعادها السياسية والوطنية السورية والقومية.اضافة اعلان
تشعر الأطراف المتصارعة بنشوة كبيرة كلما استطاعت أن تدحر طرفاً من أطراف الصراع على الأرض؛ كالاستيلاء على مدينة أو قاعدة عسكرية أو ما شابه. وإذا ما عدنا إلى بدايات الصراع المسلح، والذي سبقه حراك سياسي يسعى للتغيير والديمقراطية، فقد أعلن النظام في بداية الأزمة أنه يحارب زمرة من "الإرهابيين" الذين تدعمهم دول إقليمية لتحقيق مصالح تلك الدول، نافياً أن تكون هذه القوى ممثلة لمظالم ومعاناة ولو جزء من الشعب السوري.
لو أن كلام النظام السوري كان صحيحاً، لاستطاع أن يستنهض كل القوى السياسية، والتي تحمل مشروعاً وطنياً وفي الوقت نفسه معادياً لهذه التنظيمات، في صراعه معها. لكن الواقع أن هذه القوى كانت مستهدفة، وتم إضعافها وإقصاؤها من العملية برمتها.
المعارضة المسلحة ليست بأفضل حالاً؛ فقد أصبحت تسيطر عليها، مع مرور الوقت، قوى دينية متطرفة، فرّغت مشروع الثورة السورية من محتواه وقتلت روحه. وبالرغم من قدرتها على السيطرة على مساحات شاسعة من سورية، إلا أنها بالممارسة أثبتت أنها لا تقل دموية عن النظام السوري، وأنها إقصائية وطائفية، حوّلت مشروع المقاومة السورية من مشروع حداثوي ديمقراطي إلى مشروع طائفي إقصائي يسعى للسيطرة على السلطة، ووضعت نفسها في أحضان قوى إقليمية لا تهمها سوى مصالحها في سورية وفي المنطقة، وأصبحت سورية مقسمة لمناطق نفوذ، ولا يوجد من يضمن سلامة سورية؛ شعباً وأرضاً.
الانتصارات التي يتباهى بها المتصارعون، جاءت على حساب عشرات الآلاف من الضحايا والأبرياء السوريين الذين يفترض أن يتقاتل المحاربون من أجلهم. رائحة الموت والتشريد والقهر تزداد وتفيح مع كل انتصار مزعوم.
ثمانية ملايين مشرد سوري داخل سورية، وأكثر من أربعة ملايين مشرد خارجها، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية والمنازل والاقتصاد وسبل الحياة.
الانتصارات الوهمية التي حققتها الأطراف، جاءت على حساب انكسار الوطن، وكرامة وإنسانية وحضارة الشعب السوري. ولن يستطيع أي طرف ادعاء أنه لم يسهم بهذا الانكسار، وهذه الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري. وبذلك، لا يمكن أن يكون هناك انتصار، لأن الذين حاربوا باسمه ومن أجله؛ الشعب السوري، لم يعد كما كان.
لا يستطيع أي طرف أن يدعي أنه ربح الحرب، لأن هذه الحرب الأهلية الشرسة التي جاءت على الأخضر واليابس، قوضت أسس الانتصار؛ فلم تعد السيطرة على مدينة أو معسكر انتصاراً، بل أصبحت جزءاً من مسلسل الدمار الذي تعيشه سورية اليوم.
النظام والمعارضة المسلحة قتلا الحلم السوري، وقتلا الشعب السوري وشرداه. وأصبحت سورية مقسمة إلى مناطق نفوذ، وللمتقاتلين، وللقوى الإقليمية.
هذه الحرب لا يوجد فيها رابحون. وعندما تنتهي، فلن يكون هناك من يحتفل بانتصاراته، لأنها جاءت على حساب سورية الشعب وسورية الوطن.