هل من وصفة سحرية للتفوق الصناعي في الأردن ؟

بقلم: د. جمال الحمصي*

أشار تقريران حديثان لجهات دولية متخصصة في مجال الأداء والسياسات الصناعية حول العالم بشكل مستقل الى فكرة رئيسية واحدة مفادها؛  صعوبة التوصل الى وصفة عالمية، تفصيلية وموحدة، تضمن التفوق الصناعي، وضرورة الاستفادة والتعلم من تجارب الماضي على الصعيد المحلي. اضافة اعلان
والتقريران هما "التنمية الصناعية" (2013) المعد من قبل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وتقرير "المؤشر العالمي لتنافسية الصناعات التحويلية" (2013) المعد من قبل شركة ديلويت الاستشارية العالمية.
وبناء عليه، ليس من قبيل الصدفة تأكيد الأدبيات الحديثة للسياسة الصناعية على ضرورة "الشراكة مع القطاع الخاص" وعلى أهمية نظم "المتابعة والتقييم" في "اكتشاف" السياسات التنموية المحفزة للنمو الصناعي المستدام، ضمن بيئة جغرافية واطار زمني محددين.
وللتوضيح، فان النمو المستدام يعرّف بالنمو الحقيقي الذي يبلغ أو يفوق 7.0 % سنوياً لمدة 25 سنة على الأقل!
كقطاع رئيسي يشكل حالياً نحو خمس الاقتصاد الأردني وذو ارتباطات قطاعية قوية، حقق قطاع الصناعات التحويلية معدل نمو وسطي عال بالمعايير الدولية في العقود الماضية، لكنه يعاني تاريخياً من تقلب معدلات النمو مع مرور الزمن، كما يعاني مؤخراً (منذ العام 2009) من تباطؤ ملموس في وتيرة النمو. ويعزا هذا التقلب في الأداء الى صدمات خارجية متكررة والى تذبذب أداء السياسة الصناعية وعدم تنسيق أو كفاية برامج المعونات الأجنبية للصناعة.
السؤال المركزي هو: كيف يمكننا مواجهة التحديات والفرص المستقبلية، الخارجية والداخلية، لقطاع الصناعة والسير في مسار النمو الصناعي السريع وطويل الأجل لعقدين على الأقل كما فعلت الدول الصناعية الجديدة، مثل ماليزيا وسنغافورة؟
بشكل عام؛ فإن تحسين انتاجية وتنافسية القطاع الصناعي ومنشآته، وتطوير الحوكمة الصناعية، أي الاطار المؤسسي والضريبي والتشريعي والرقابي المنظم لقطاع الصناعة، هو الأساس. لكن كيف نطور هذه العوامل الأساسية؟
باختصار، فان صياغة الاستراتيجية الصناعية وتنفيذها بشكل مرض أمر أساسي هنا، لكن القصة ليست سهلة كما يبدو للوهلة الأولى، خصوصاً في مجال التنفيذ، بسبب مقاومة التغيير بشكل رئيسي.
لكن البدائل العملية لصياغة الاستراتيجية الصناعية وتنفيذها تكاد تنحصر في "العمل كالمعتاد" وهذا لا يقدم جديداً بل يؤخر في الأجل الطويل بسبب تراكم التحديات وتقدم الدول المنافسة.
في ضوء صعوبة التوصل الى وصفة عالمية مميزة وموحدة، لا خيار سوى ان نبدأ من مكان ما، وأفضل مكان هو حاضرنا وماضينا الصناعي القريب.
وبالتالي يمكن البدء بمراجعة الأداء الصناعي الحالي والتاريخي في الاقتصاد الوطني ومواقف وبرامج السياسة الصناعية الأخيرة 2010-2014 بغرض استقاء الدروس والعبر.
هذا يمهد لصياغة استراتيجية صناعية وطنية محدثة للفترة القادمة بالشراكة الحقيقية مع القطاع الصناعي الخاص، وكذلك بمتابعة تنفيذها وتقييمها بشكل فعال بالتعاون مع القطاع المذكور ومع كافة المؤسسات العامة والدولية المعنية بالقطاع.
سواء أكانت هذه المؤسسات العامة المحلية معنية بتشجيع الاستثمار الخاص، أو تطوير المشاريع الصغيرة، أو بالتمويل الصناعي، أو التكنولوجيا الصناعية، أو بالسياسة التجارية وتشجيع الصادرات، أو الحوافز الضريبية والدعم الحكومي، او بالمشاريع الرأسمالية الحكومية والمنح الخارجية، أو الاحصاءات الصناعية، أو المناطق الحرة والأراضي الصناعية، أو بسياسة المنافسة، أو سياسات العمل والضمان الاجتماعي، أو تطوير التعليم التقني والعالي، أو بالترخيص الصناعي. وكذلك بالتنسيق مع المنظمات والجهات المانحة الأجنبية ومختلف برامجها المرتبطة بالصناعة، بما فيها منظمة "اليونيدو".
المنظور الشمولي والمساءلة والتنسيق الأفضل بين الجهات المعنية شرط ضروري للحصول على نتائج جديدة ملموسة.
وحسب قانون "التنوع المطلوب" المعروف في علم التوجيه، يجب ان تتم المتابعة والتقييم والمساءلة من جهة مستقلة (ديوان المحاسبة؟) عن المؤسسات التنفيذية السابقة، الى جانب التقييم الذاتي لهذه المؤسسات.
على صعيد صياغة هذه الاستراتيجية الصناعية المأمولة، لابد من التأكيد على ضرورة تضمين الاستراتيجية اجراءات وبرامج للتعامل مع معوقات ومخاطر التنفيذ بشقيها الخارجية والداخلية. كما يتوجب حصر الاستراتيجية بوضوح لا يقبل اللبس بالصناعات التحويلية فحسب، وأن يكون للصناعات التعدينية (الاستخراجية) استراتيجية مستقلة.
كما يقترح ان تتضمن الاستراتيجية مكونا "افقيا" يهدف الى تحسين بيئة أعمال مختلف الأنشطة والمنشآت الصناعية، ومكونا "عموديا" يستهدف صناعات تحويلية واعدة، سواء أكانت مبتدئة أم غائبة بالكامل، في الهيكل الصناعي القائم.
ومن ناحية اخرى؛ لابد من تطوير نظام المعلومات الصناعية في الأردن وفي غرفة صناعة الأردن كذلك، وهذا يحتاج لبحث مطول.
فعلى سبيل المثال، فإن مؤشر أساسي للاستثمار الصناعي مثل "أعداد المنشآت الصناعية" مفصلاً حسب المحافظة والنشاط الفرعي وحجم المنشأة لا يغطيه المسح الصناعي السنوي لدائرة الاحصاءات العامة، وتفضل الدائرة ايراده بشكل تجميعي غير تفصيلي في مسح الاستخدام.
أما متغير "التكوين الرأسمالي الصناعي" كمؤشر آخر مهم للاستثمار الصناعي، فان آخر رقم متاح هو للعام 2012.
نفس القضايا تنطبق على متغير صناعي مهم لمكافحة البطالة هو "أعداد العاملين" التخطيط الصناعي هو نشاط تحليلي كثيف في البيانات الصناعية التفصيلية، ومن الصعب اعداد استراتيجية صناعية قابلة للتنفيذ دون تفاصيل حديثة لمتغير أعداد المنشآت والعاملين على مستوى المحافظة والنشاط وحسب حجم المنشأة.