هل ميخائيل كلاشنكوف الآن في الجحيم؟ كان واثقا أنه لن يذهب إلى هناك

مصمم بندقية كلاشنكوف الروسي ميخائيل كلاشنكوف - (أرشيفية)
مصمم بندقية كلاشنكوف الروسي ميخائيل كلاشنكوف - (أرشيفية)

روبرت فيسك – (الإندبندنت) 25/12/2013

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 

انتابني دائماً شعور بالانجذاب إلى العجوز ميخائيل تيموفييفيتش كَلاشنكوف، الذي توفي قبيل عيد الميلاد. عندما التقيت به، كانت عيناه السيبيريتان يقظتين كعيني ذئب؛ كان خشناً، صلباً، وغير خجل من شيء. وأعتقد أنه كان ينبغي أن يكون كذلك. أن تكون قد أعطيت اسمك لأشهر بندقية في العالم –التي رأيتها أنا نفسي في لبنان، وسورية، والعراق، ومصر، و"فلسطين"، وليبيا، والجزائر، وأرمينيا، وأذربيجان، والبوسنة، وصربياً، واليمن- فيعني ذلك أنه ينبغي أن تكون لديك إجابة عن السؤال الواضح: كيف يمكن أن يبرر كلاشنكوف كل هذا الدفق من الدم البشري، وأن يتحدث باحترام وكياسة عن ابتكاره الشيطاني؟
"كما ترى". قال الذئب العجوز، "كل هذه المشاعر تتكون لأن أحد الأطراف يريد أن يحرر نفسه بالسلاح. لكن الطرف الخيِّر في رأيي هو الذي سيسود –سوف يحدث ذلك بعد أن أكون قد متّ، لكن الوقت سيأتي عندما لا تعود أسلحتي تستعمل أو لا تعود ضرورية". الآن، غادر ذلك الرجل -صاحب البنية الضئيلة والشعر الرمادي الممشط وبضعة أسنان ذهبية عندما التقيته قبل 12 عاماً- غادر الأرض فعلاً إلى السماء حيث كل صانعي السلاح، بعد أن قضى بعضاً من أيامه الأخيرة في مصنع الأسلحة الذي ما يزال يديره -في عمر 94 الذي لا يصدق- في مدينة إيجيفسك وسط روسيا. وفي اليوم التالي نفسه، كان ثوار جمهورية إفريقيا الوسطى يلوحون على شاشات أجهزة تلفزتنا، حسناً، ببندقية كلاشنكوف الآلية AK-47.
المختصر AK يشير إلى "كلاشنكوف أوتوماتيكي"، و47 يشير إلى 1947، تاريخ أول تصنيع لهذا السلاح. وقصة كلاشنكوف معروفة جيدة: فبعد أن جُرح في معركة بريانسك في العام 1941 –اخترقت قذيفة ألمانية دبابته وغرست جزءاً من الدرع في جسده- استلقى في سرير مستشفاه وفكر في سؤال طرحه عليه زميل مصاب: "سألني جندي في السرير الذي بجواري: ’لماذا يمتلك جنودنا بندقية واحدة فقط لكل رجلين أو ثلاثة عندما يمتلك الألمان بنادق أوتوماتيكية؟‘ لذلك، صممت واحدة. كنت جندياً وصنعت مدفعاً رشاشاً لجندي".
كان ميخائيل كلاشنكوف يدرك جيداً جداً مكانة بندقيته الأسطورية. قال لي: "عندما التقيت وزير الدفاع الموزمبيقي، قدم لي شعار بلاده الوطني الذي يحمل صورة بندقية كلاشنكوف رشاشة. وقال لي أنه عندما يعود كل جنود التحرير إلى بيوتهم وقراهم، فإنهم يسمون أبناءهم "كلاش". أعتقد أن هذا شرف كبير، وليس مجرد نجاح عسكري. إنه نجاح في الحياة عندما يُسمى الناس باسمي، باسم ميخائيل كلاشنكوف". لم أذكر له حينذاك أن حزب الله اللبناني قد وضع بندقيته الرهيبة في رايته أيضاً، حيث يقبض على البندقية  حرف الألف من كلمة "الله" في الكتابة العربية فوق علم الحزب الأصفر والأخضر. كان ثمة جدوى قليلة، كما تذكرت في ذلك الوقت، في سؤاله عما يعتقد به أبناؤه بشأنه. كان ابنه فيكتور مصمم أسلحة صغيرة. وكان فيكتور قد أحضر والده معه إلى معرض أسلحة في أبو ظبي حيث التقيت به –في ملحق حزين الطابع لاندفاعة تصدير الأسلحة أيام الاتحاد السوفياتي السابق.
مع ذلك، من الواضح أن ميخائيل كلاشنكوف فكر كثيراً في دوره في العالم -وفي الموت- وأراد. كان يريد، كما اعتقدتُ، نوعاً من الغفران. قال: "ليس خطئي أن الكلاشنكوف أصبح معروفاً جداً في العالم، وأنه جرى استخدامه في العديد من الأماكن المضطربة، أعتقد أن سياسات تلك الدول هي المسؤولة، وليس مصممي الأسلحة. يولد الإنسان ليحمي عائلته، وأولاده، وزوجته. لكنني أريدك أن تعرف أنني كتبت، بعيداً عن موضوع الأسلحة، ثلاثة كتب حاولت أن أثقف فيها شبابنا حول كيفية إظهار الاحترام لأسرهم، لكبار السن، وللتاريخ.."..
أنتج الفتى العجوز طبعة باللغة الإنجليزية من كتابه –"من عتبة غريب إلى بوابات الكرملين"، وهو كتاب تحسن قراءته، فيه الكثير من الوطنية وإنكار الذات- ووقعه بالقلم الأزرق. قال: "عشت في وقت كنا نريد فيه جميعاً أن نكون ذوي نفع لدولتنا (السوفياتية). وإلى حد ما، اعتنت الدولة بأبطالها ومصمميها... في القرية حيث ولدت، وبناء على مرسوم خاص، شيد لي نصب تذكاري، بضعف ارتفاع قامتي تقريباً... وفي مدينة إيجيفسك حيث أقيم، هناك الآن متحف للكلاشنكوف فيه قسم مخصص لحياتي –شيد ذلك وأنا حي أرزق!".
لم يكن كلاشنكوف غنياً، وكان يمتلك القليل من النقود، أو هكذا قال: "كنت سأستفيد كثيراً من النقود لو كانت لدي. لكن هناك بعض المعالم التي ربما تكون أكثر أهمية. اتصل بي الرئيس بوتين يوم عيد ميلادي قبل أيام. لا يمكن أن يقوم أي رئيس آخر بمهاتفة مصمم أسلحة. هذه الأمور مهمة جداً بالنسبة لي". ولكن، ماذا عن الله؟ سألته.
أخبرني بقصة غريبة، هكذا فعل ميخائيل كلاشنكوف الذي كان ما يزال يعلق على صدره وساميه "بطل العمل الاشتراكي". كان ضابط في الجيش السعودي قد سأله ذات مرة، كما قال، عما إذا كان قد خطر له أن يغير عقيدته الدينية. "وفقاً للمعايير المسيحية، أنت خاطئ كبير. إنك مسؤول عن موت الآلاف، بل عشرات الآلاف من الناس في كل أنحاء العالم. لقد هيأوا منذ وقت طويل مكاناً لك في جهنم". لكن كلاشنكوف كان مسلماً حقيقياً مع ذلك كله، كما أصر الضابط السعودي. عندما ينتهي وقت وجوده على الأرض، فإن الله سيستقبله كبطل لأن "رحمة الله واسعة بلا حدود".
وإذن، هل أصبح ميخائيل كلاشنكوف الآن يقيم في الفردوس أم في الجحيم؟ بطبيعة الحال، سألته في تلك المرة المذكورة عما سيقوله الله له حقاً عندما يموت ويلاقيه؟ أجاب: "لقد علمونا بطريقة ربما تجعلني ملحداً. لكن هناك شيء ما موجود.."..

اضافة اعلان


*نشر هذا المقال تحت عنوان:Is Mikhail Kalashnikov in Hell? The man was confident he would not go there

[email protected]