هل نحتاج أحزابا عربية؟

تاريخيا، شكل العدو المشترك أحد أهم أسباب نشأة الدول وأحد أهم مقومات استمرارها. ومنذ احتلال العراق، يبدو الخطر الأميركي، ولا سيما من خلال دعوة إدارة الرئيس جورج بوش إلى الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي ونتائج التطبيق الكارثية في العراق، يبدو هذا الخطر عامل وحدتنا العربية الأهم، والتي ظهرت أولى مؤشراتها في شبه إجماع، رسمي وشعبي، على رفض الإصلاح من الخارج والتأكيد على الإصلاح من الداخل كخيار وحيد لا بديل له.

اضافة اعلان

المؤتمر العام الرابع للأحزاب العربية الذي افتتح أعماله في دمشق أول من أمس، 4 شباط. تحت شعار "دورة نصرة سورية ولبنان"، يبدو بشعاره ومكانه فرصة تاريخية ومثالية لاختبار صدقية الوحدة العربية السابقة ومضمونها القائم على ضرورة الإصلاح، إنما من الداخل.

فسورية تتعرض لهجمة أميركية شرسة، تتمثل إحدى أهم أدواتها في مطالبة النظام السوري "باستيراد الديمقراطية"، بحسب خطاب للرئيس بوش؛ ووجود مائة وعشرة أحزاب عربية في سورية، تمثل الملايين من الفئات الشعبية غير الرسمية، قادر على سحب البساط من تحت أقدام الإدارة الأميركية، بجعل التحولات الديمقراطية في سورية قرارا وطنيا سوريا استجابة (أو حتى إكراما) لمطالب عربية. فهل يعقل أن تعتبر الأحزاب العربية المؤتمرة الآن في سورية أحزابا "عميلة" أو "محكومة أميركيا" إذا ما طالبت بالإفراج عن السجناء السياسيين في هذا البلد؟ وأليس واجبا على هذه الاحزاب أن تطالب النظام السوري بالسماح بإنشاء أحزاب سياسية تشارك مع المؤتمر العام للأحزاب العربية في اجتماعاتها القادمة؟ فالنصرة التي رفعها المؤتمر شعارا له هي لسورية الدولة، أي للشعب والنظام على السواء.

يبدو السيناريو السابق مغرقا في التفاؤل، سيما باستحضار نتائج المؤتمر العام لاتحاد المحامين العرب الذي عقد في دمشق أيضا في الفترة 20-22 كانون الثاني 2006. لكن مع ذلك يظل لاجتماع مائة وعشرة أحزاب من ست عشرة دولة عربية في دمشق دلالة عميقة حول مضمون الإصلاح العربي واتجاهاته المستقبلية.

أول هذه الدلالات يمكن استخلاصها من تعليق د. اسحق الفرحان، رئيس المؤتمر العام للأحزاب العربية، معلقا على خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، في افتتاح أعمال المؤتمر: "لقد تكلمت فى عدد من الآفاق والمحاور ونعدكم أن تكون ان شاء الله كورقة عمل لبحث حال الأمة التى أفردنا لها بعض المحاور الهامة من جملة عدة محاور وهو محور سورية ولبنان ومحور الهجمة الصهيونية الأميركية على أمتنا.. ومحور وحدة الأمة ومحور التحدى الديمقراطي وحرية الرأي.. لا على الطريقة الغربية التى تقيس بمعيارين ولكن على الطريقة العربية الاسلامية الشفافة". فما هي مقومات "الطريقة" العربية والإسلامية؟

طالما أننا قررنا العودة إلى المربع الأول، فمن الضروري إعادة طرح السؤال ما إذا كانت الأحزاب بكليتها تتفق مع الإسلام؟ أما لو انتقلنا إلى "الطريقة" العربية، المتضمنة أيضا في كلام رئيس المؤتمر العام للأحزاب العربية والقائمة على خطاب الرئيس الأسد، فمن المعروف أن الدستور السوري ينص صراحة في مادته الثامنة على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة"، وهو الأمر الذي مازال موجودا حتى في مشروع قانون الأحزاب الذي تضمنته مذكرة رفعتها، الشهر الماضي، اللجنة البرلمانية التابعة لحزب البعث في سورية في إطار عملية الإصلاح السياسي المنتظرة في سورية!

لا يمكن مطالبة الأحزاب العربية المجتمعة في دمشق بأمر بات معروفا تماما أنها غير قادرة على تجسيده برامج وخططاً قابلة للتنفيذ، وهو الإصلاح؛ لكن الحق كل الحق يتمثل في مطالبة هذه الأحزاب أن تكون منسجمة مع نفسها عندما يعود كل منها إلى بلاده؛ فلا نسمع تشهيرا بحكومات بلادها، ولا حتى مطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين هناك، وليس ذلك إلا كجزء من التأييد الكامل لحكوماتها التي بات من حقها جميعا أن تؤسس حزبا قائدا تدور أحزاب "تجميلية" في فلكه.

لكن إذا ما كان واجب الأحزاب العربية المائة وعشرة القيام بكل ما سبق، أفليس الأدعى التساؤل: هل نحتاج أحزابا عربية؟

[email protected]