هل نحتاج إلى "عقيدة ترامب" أيضاً؟

ليست المنطقة العربية وحدها من تفاجأ بفوز دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، والمهم في منطقتنا أننا لم نشكّل أي سيناريو أو رؤية استراتيجية متماسكة للتعاطي مع احتمالات وتداعيات فوز ترامب، عبر دراسة آراء مستشاريه والفريق المحيط به وخلفياتهم، والاستعداد الأولي لتكوين قاعدة بيانات منظمة عن آلاف الموظفين الذين سيتم تعيينهم خلال الفترة الانتقالية الممتدة حتى كانون الثاني (يناير) المقبل. وكالعادة سننتظر وقتاً طويلاً لاستيعاب الحدث الجديد، وفك تناقضات من قبيل أن المتفائلين بفوز ترامب ينظرون، مثلاً، إلى موقفه المتشدد من الاتفاق النووي الإيراني، من دون أنْ يفسروا موقف ترامب من بشار الأسد الذي يراه "يستعيد قوته"، ويرى في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شريكاً محتملاً، فيما الأخير شريك إيران في دعم النظام السوري والقضاء على المعارضة السورية.اضافة اعلان
عند الحديث عن السيناريوهات المتوقعة لمنطقة الخليج العربي في ضوء التغيرات الدولية التي أثرت فيها، لا بد من التأكيد بأنه لا يوجد اتفاق بين الخبراء والمحللين، على توصيف "التحول" في الاستراتيجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط في عهد الرئيس أوباما؛ فبينما يرى البعض أنه "انكفاء" أو "انسحاب" من المنطقة، يعتقد آخرون أنه ابتعاد عن حلفاء أو شركاء تقليديين (دول الخليج مثلاً) والاقتراب نحو شركاء جدد (إيران)، في حين ترى أطراف ثالثة أنه مجرد إعادة الولايات المتحدة توجيه قوتها وحساباتها وأدواتها لتحقيق الأهداف والمصالح الأميركية، بدليل أنها لم تسحب أصولها العسكرية من المنطقة أو حتى تعيد نشرها. ومع الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب سننتظر إنْ كان ثمة تغيرات مهمة ستطرأ على طبيعة المقاربة الأميركية الجديدة حيال دول "مجلس التعاون" وشركاء استراتيجيين مثل الأردن ومصر.
وعليه قد نكون مع الإدارة الأميركية الجديدة أمام سيناريوهات منها: الأول هو استمرار تلك الشراكات الاستراتيجية وعدم تأثرها وهو يعني استمرار المكانة المركزية لتلك الدول في سياق خريطة المصالح والأولويات الأميركية في الشرق الأوسط.
 والثاني تراجع المكانة الاستراتيجية لتلك الدول في الرؤية الأميركية للمنطقة وصعود موقع إيران وأهميتها في الحسابات الأميركية في ظل محدد الاتفاق النووي الإيراني. وهذا يعني التغاضي عن السلوك الإيراني السلبي وأدواته في العراق وسورية واليمن ولبنان، والتفاهم بين طهران وواشنطن على مسألة مكافحة الإرهاب والقضاء على "داعش"، وبالتالي إعادة توزيع القوة والنفوذ في المنطقة بشكل لا يلبي المصالح الخليجية، مثلاً، ويضر بأدوارها ومكانتها في الإقليم، ما قد يدفع إلى تصاعد التوتر العربي-الإيراني. لكن ثمة معوقات عديدة أمام هذا السيناريو في ظل فوز ترامب وانتقاداته المتكررة للاتفاق النووي الإيراني ووصفه بأنه "صفقة سيئة" وأن الاتفاق "منح طهران ملايين الدولارات من دون مقابل". لكن طهران تقلل من احتمالات أن يشكّل فوز ترامب "تهديداً جدّياً" للاتفاق، ويرى رئيس الهيئة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي أن "من يتولى رئاسة الولايات المتحدة سيكون عليه التأقلم مع "الحقائق على الأرض". ومما قد يضعف من سيناريو التراجع عن الاتفاق أنّ وكالة الطاقة النووية تؤكد أن طهران تفي بالتزاماتها.
أما السيناريو الثالث فينبني على افتراض امتلاك "دول الاعتدال" العربي رؤية عميقة تتكيف مع أبعاد التحول الداخلي الأميركي، وتتجه لإعادة بناء وترميم قوتها الذاتية عبر الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا وتطوير التعليم وتعزيز الحوكمة ومحاربة الفساد وإجراء إصلاحات حقيقية وتنويع الشراكات الإقليمية والدولية، ما يؤهلها لأنْ تكون قادرة على الاستثمار في عناصر قوتها التي تقدمها شريكاً مهماً للمصالح الأميركية بالشكل التي ستصوغها إدارة ترامب، وبغير ذلك سنحتاج إلى من يشرح لنا "عقيدة ترامب"؛ كما شرح لنا أوباما عقيدته بعد سبع سنوات من تساؤلنا: لماذا تغيرتْ أميركا تجاهنا؟!