هل نعيش أجواء انتخابات؟!

سأحاول أن أكتب بتوازن، وبعيدا عن كل ما من شأنه أن يفتح المجال أمام تجاوز أمر منع النشر، لكن، يبدو من المستغرب الهمة الكبيرة التي تتجه بها الدولة نحو إجراء الانتخابات النيابية، الأمر ليس من باب التقليل من شأن هذه الانتخابات، ولكن من باب ترتيب الأولويات التي ينبغي أن ننظر إليها بموضوعية، وبعيدا عن الشعارات الحماسية التي تطرحها جهات عديدة، وعلى رأسها الحكومة.اضافة اعلان
يتفق كثيرون أننا لا نعيش اليوم أجواء انتخابات بسبب العديد من القضايا الملحّة، وأولها الانقسام المجتمعي الحاد على خلفية قضية مجلس نقابة المعلمين، وهي القضية التي أفضت تطوراتها إلى توقيف أعضاء المجلس، وكف يد الأعضاء وأعضاء الهيئة المركزية، وهيئات الفروع وإداراتها، ووقف النقابة عن العمل مدة عامين.
هذا ملف ينبغي ألا يظل عالقا بالصورة التي نراها عليه اليوم، فهو يشكل نقطة استقطاب وتحشيد بين الحكومة ومناصريها من جهة، وبين المعلمين والمتعاطفين مع قضيتهم من الجهة الأخرى.
إنه ملف مفتوح على التأزيم ما لم نحتكم إلى العقل ونبحث عن حلول لا يكون الإقصاء واحدا منها. والحلول المرضية ممكنة بالتأكيد إذا ما ارتضى الطرفان الجلوس إلى طاولة الحوار حسب تفاهمات واضحة، ومن دون شروط تعجيزية مسبقة يتم اقتراحها في العادة من أجل أن يرفضها الطرف الآخر.
من الواضح أن هذا الملف عائق كبير أمام الاستقرار والانسجام والرضا المجتمعي في هذه الفترة، ولا نشك أن من يخطو الخطوة الأولى نحو رأب الصدع سيحظى بالاحترام الكامل، كما لا نشك أيضا بأن الدولة قادرة على أن تكون هي صاحبة هذه الخطوة، وقادرة على أن تنهي هذا الملف مرة وإلى الأبد، ومن دون أن يخسر أي طرف، وذلك بالجلوس إلى طاولة الحوار مع المجلس، وأن تبحث عن الضمانات التي تريدها كي يسير العام الدراسي على ما تم التخطيط له من دون أي مفاجآت غير سارة.
حين نقول إننا ذاهبون إلى انتخابات نيابية فهذا يعني أننا بصدد تنظيم واحدة من الممارسات الديمقراطية الراقية التي تعودنا كل أربع سنوات على تنظيمها بطريقة يغبطنا عليها كثير من بلدان العالم، لكن ومع بقاء أزمة مجلس نقابة المعلمين مفتوحة على المجهول فإن ذلك يشكل تعارضا حادا مع الانتخابات النيابية، فمجلس النقابة هو، أيضا، هيئة منتخبة، ومن باب حسن النوايا، ينبغي إعطاء فرصة للحوار، لكي يبدو أن هناك جدية والتزاما في السلوك الديمقراطي الذي تنتهجه الدولة وهي تعد لإجراء الانتخابات، وهذا لا يعني بالتأكيد ألا تتم محاسبة أي شخص إن ثبت أنه أخطأ أو أساء لأي طرف.
المصالحة مطلوبة اليوم، وإنهاء الملف مصلحة وطنية عليا، بينما إبقاء الباب مفتوحا على التحشيد والتجاذبات والاتهامات بين الطرفين لن يكون في مصلحة الوطن، وبالتالي لن يكون في مصلحة الانتخابات المقبلة، فالأمر يضع كثيرا من العصيّ في دولاب المشاركة؛ ترشحا وانتخابا، وسيفضي إلى شعور أنه لا ضمانات حقيقية لتكريس الفعل الديمقراطي على أرض الواقع، ولا مجال للتغيير في المجتمع وفي السياسات والقوانين، ولا في محاربة الفساد وأدواته وشخوصه.
اليوم، نعيش في الأردن أزمة طاحنة، فـ»كورونا»، التي يتخوف العالم من موجة ثانية لها تكون أكثر شدة وفتكا، أجبرتنا على كثير من السياسات والإجراءات التي أدت إلى تباطؤ مقلق في الاقتصاد العالمي. وفي الأردن كانت كورونا عاملا حاسما في زيادة الأعباء الاقتصادية. الأمر المهم أن الدولة الأردنية أدارت هذه الأزمة باقتدار كبير حظيت معه باحترام وإشادة وتقدير العالم. هذا الأمر بالذات، وما ينتظرنا من أعباء أخرى متوقعة، يتطلب أن تسود حالة التصالح التام بين الدولة والشارع، من أجل أن يكون المواطن مساعدا ومساهما في تحمل الصعاب المنتظرة، وهو الدور الذي أداه دائما بوطنية ومن دون أي منة أو مزاودة.
لم يفت الأوان على حل قضية مجلس النقابة لكي نذهب إلى انتخابات نيابية بقلوب مفتوحة وأمل حقيقي في التغيير. أما إن لم يحدث ذلك فستكون البهجة منقوصة، والتعبير الديمقراطي مثلوما.