هل "نكسر جرة" في وداع العام 2020

هل يستحق العام 2020 الذي نعيش أيامه الأخيرة "كسر جرة فخارية" خلفه، حيث اعتادت العديد من شعوب العالم على ممارسة هذه الطقوس عند مغادرة الأشخاص والأحداث المتعبة والمشؤومة، كتعبير عن تفاؤلهم بأن المقبل سيكون أفضل.اضافة اعلان
لا شك أن هذا العام كان من الأعوام الصعبة جدا على البشرية، حيث أصيب بفيروس "كورونا المستجد" ما يقارب 80 مليون إنسان، وقاربت الوفيات الناجمة عن الإصابة اقل قليلا عن مليوني إنسان.
ولم تقتصر الأمور عند حد الخسائر البشرية المؤلمة، بل امتد الوضع الى ضرب الاقتصاد العالمي بمختلف مراكزه الكبرى ومختلف الدول، حيث تراجعت معدلات النمو الاقتصادي في الغالبية الكبيرة من دول العالم الى منطقة السالب (انكماش اقتصادي)، ما ترتب عليه خسارة عشرات ملايين العاملين والعاملات لوظائفهم.
كذلك لم تسلم نظم التعليم من الأضرار الخطيرة، إذ دفع التعليم عن بعد ملايين الطلبة حول العالم إلى التسرب من التعلم المدرسي، حيث لم تكن غالبية الدول مهيأة لتطبيقه.
تتفاوت الإجابات عن السؤال الذي يطرح بقوة بين مختلف الأوساط هذه الأيام، هل سيكون العام 2021 أفضل من العام الذي سبقه؟ كي يتم تبرير "كسر جرة فخارية" في نهاية العام الحالي.
رغم كل الأخبار المتواترة حول نشوء جيل جديد من فيروس "كورونا المستجد" سريع الانتشار، الا أن نجاح العديد من مختبرات الأدوية في تطوير مطاعيم مضادة لهذا الفيروس بسرعة قياسية والمباشرة في استخدامها، سيضع بالتأكيد حدا للاتجاه التصاعدي للأضرار البشرية والاقتصادية على المستوى العالمي ومستوى الدول ذاتها، حيث سيبدأ العد التنازلي لهذه المخاطر والأضرار.
وضعت جائحة كورونا العديد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعد مسلمات على المحك، اذ تجمع العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية على أن الاستمرار بالعمل بالنموذج الاقتصادي الذي يعتمد رؤية "اقتصاد السوق الحر" لم يعد صالحا للعمل به.
فمعدلات التفاوت الاجتماعي عالميا وعلى مستوى الدول وصلت الى مستويات غير مقبولة بالمطلق، حيث تفيد العديد من الدراسات أن ما يقارب 45 شخصا يمتلكون نصف ثروة البشرية، وهو تعبير فاضح عن عدم عدالة هذا النموذج الاقتصادي.
عدم القدرة على الاستمرار بالعمل وفق هذا النموذج دفع "كلاوس شواب" رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي – أحد أهم المنابر العالمية التي تدافع عن الرأسمالية واقتصاد السوق الحر- الى المطالبة بإعادة ضبط شامل للرأسمالية Great Restart. صحيح أن تعافي العالم سيكون بطيئا ومتفاوتا بين الدول، الا أن العام 2020 يستحق "كسر جرار فخارية" خلفه، لأن العالم سيكون أفضل بعد انحسار الوباء.
سيكون العالم أفضل، لان التفكير في إعادة بناء النظم الصحية والتعليمية ونظم الحماية الاجتماعية أصبحت في صدارة أولويات مراكز صنع القرار في العالم وعلى مستوى الدول ذاتها.
سيكون العالم أفضل، لأن العالم سيتجه نحو اعادة النظر في مختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي همشت دور الحكومات في تقديم الحمايات الاجتماعية المختلفة لمواطنيها، وتركت المجال للقطاع الخاص لقيادة الاقتصادات والسياسات ذات العلاقة بالحمايات الاجتماعية.
الحركات الاجتماعية والسياسية الرافضة لتفاقم التفاوت الاجتماعي تتوسع عالميا بشكل ملفت، وأصحاب المصالح المتضررين والمحرومين من المستويات المعيشية الكريمة جراء اعتماد النموذج الاقتصادي السائد لن يستمروا في الاستسلام لهذا الواقع.
على صناع القرار في مختلف دول العالم التي تعاني اختلالات في الحمايات الاجتماعية المختلفة، المباشرة بإعادة النظر بسياسات التعليم والصحة والعمل، تلافيا لمواجهة اضطرابات اجتماعية يمنك أن تقوض أسس هذه الدول.
مرة أخرى يستحق العام 2020 أن "نكسّر جرار خلفه" لأن العالم بالتأكيد سيكون أفضل بعد انحسار وباء كورونا الذي وصل ذروته وتداعياته المختلفة خلاله.