هل هو تفويض بالعنف المفرط؟

لستُ أظنّ أنّ أعداد من خرج من الشعب المصريّ لتفويض الجيش بمعالجة العنف تماثل تلك التي خرجت يوم 30 يونيو ضدّ محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين! وحتى لو كانت كذلك وأكثر، فإنّه ينبغي أن نتوقّف عند السيناريو المرتقب بإزالة اعتصام رابعة العدويّة بالقوّة... إذ يبدو هذا السيناريو مخيفاً ويحمل في طيّاته مستقبلاً مدمّراً لمصر، ومن ثمّ للمنطقة العربيّة التي عليها الدور!اضافة اعلان
صحيح أنّ "الإخوان" قد أخفقوا إخفاقاً ذريعاً في الحكم، ولم ينجحوا، ولو بمقدار نصفٍ في المئة باحتواء الأزمات التي انفجرت غبّ ثورة 25 يناير، وتلك التي تفاقمت في عهد حسني مبارك وعصابة ابنه جمال، لكنّ الصحيح أيضاً أنّهم في استعجالهم للانقضاض على السّلطة وقلب مصر المعتدلة إلى تطرّفٍ قندهاريّ، قد أساؤوا إساءات بالغةً للديمقراطيّة وللإسلام ولحقوق الإنسان، مما عجّل في رحيلهم. إلا أنّهم وقد اختاروا العناد، والتّلطّي خلف "شرعية" لم تعد كذلك، والتظاهر بأنّهم ضحيّة، والتهديد بالعنف وممارسته فعلاً، من قتل استراتيجيّ لأنصارهم، ومن قطع طرق، ومن مهاجمة منشآت عامّة واحتلال بعضها، فإنّه لم يعد من الممكن معالجتهم بعنف مقابل، حتى لو كان القانون يسمح بذلك، لأنّ العقل لا يسمح! فهم ليسوا عصابة صغيرة خارجة على القانون، بل يتجاوزون مع المتعاطفين معهم بضعة ملايين! وهم، إلى جانب أنّهم اختاروا الصدام وعدم حقن الدماء، كما أمرهم بذلك دينهم، واختاروا التنازل عن آخر ذرّة من أخلاق الإسلام، يُتقنون تمثيل دور الضحيّة إتقاناً يجعل من العسير بل والخطير تبرير القضاء عليهم، دون جرّ البلاد إلى حالة من حالات الحرب الأهلية، وقى الله مصر والأردنّ شرورها!
لقد نجح "الإخوان" في مصر حتى الآن من بناء "قضيّة" تبدو أمام العالم قضية حريات وحقوق إنسان، مع العلم أنّهم متشبّعون بمفهوم الانقياد والطاعة لأولي الأمر (الذين ليسوا كذلك إلا إذا كانوا منهم!)، ومتشربون حتى النخاع بعداء الديمقراطيّة وحقوق الإنسان! وهم إذ يستقوون بالخارج، ويغادرون آخر معقل من معاقل الوطنية والخوف على مصير البلد، يفعلون ذلك بحنكة بارعة في تسوّل الرّأفة الدوليّة، وتسويغِ التدخّل، ومن ثمّ التّسليح، كما حدث في بلدان عربيّة من قبل.
هذا السيناريو المروّع، لابدّ من أن يقف أمامه الرئيس المؤقّت وحكومته وجيش مصر والقوى الوطنيّة جمعاء! لابدّ من إيجاد حلّ آخر لا تسيل فيه دماء وتتدمّر بلد، من دون الرجوع إلى الخلف وإعادة مرسي إلى الكرسي المعبود! وفي ظنّي أنّ التّصالح الذي أعلنه الرئيس المؤقت وحكومته وجيش مصر لن يتمّ من دون شكم الإعلام المصري عن ترويع فكرة المصالحة نفسها بالشتم المقذع طوال الوقت للإخوان، والحديث عن تاريخهم المريب، والمطالبة بمحاكمة قادتهم وأعيانهم. إذ يكاد هذا الإعلام يخلو من التحليل المحايد ومن تقديم مبادرات إيجابيّة بناءة، من طراز صندوق دعم مصر، للخروج من الأزمة، لا تعميقها وإلقاء مزيد من الوقود سريع الاشتعال على نارها!
كما لابدّ من اللجوء إلى تهدئة اللعبة مع دول باتت عدوّة للنظام الجديد الحالي، للتمكّن من وساطات قد تؤدي إلى حلّ ولو جزئيّ للأزمة. كما لابدّ من أن تساهمَ الهيئات العربيّة الشّعبيّة للقانونيين وحقوق الإنسان وغيرها من منظمات سلميّة ومدنيّة إلى التوسّط الفعليّ، وتقديم مبادرات عمليّة.. فالإخوان في النهاية فصيل مصري، وليس من المصلحة ردعهم بالمواجهة، بل بالحنكة والكياسة والسياسة، إن استطعنا!
دعونا فعلاً أن لا نفقد الأمل!!!

[email protected]