هل هي بشرى خير؟

لا نملك إلى هذا الوقت القدرة على التفاؤل بما يحدث في مصر. في الوقت نفسه، لا يستطيع أحد مصادرة حق كل أولئك الذين أدلوا بأصواتهم خلال الأيام الثلاثة الماضية. والشرعية الجديدة التي سوف يستند إليها الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي لن تمحو بين ليلة وضحاها الشعور بالروح الانقلابية التي سادت لدى طيف واسع من المجتمع المصري، ولن تستطيع تخليص هذا المجتمع من حالتي الاستقطاب والانقسام الحادتين.اضافة اعلان
صحيح أن أكثر ما تحتاج إليه مصر، خلال السنوات المقبلة هو الاستقرار، لكن في الوقت نفسه فإن أي استقرار يكتفي بالقوة وحدها سيكون استقرارا هشا، ولن يأتي بالأخبار السارة للمصريين. ولعله من المفيد اليوم أن تنظر النخبة المصرية الجديدة إلى اليوم التالي من زاوية أخرى؛ زاوية بناء دولة لكل مواطنيها، وذلك بالتخلص من الصراع على أجندات الثورات، والانتقال مباشرة إلى مسار بناء الدولة الذي من دونه لن يكتمل إثبات شرعية ما جاءت به الصناديق.
خلال الحملة الانتخابية، ساد خطاب غير تصالحي، أضاف المزيد من الانقسام والاستقطاب في الشارع المصري؛ ليس بين المرشحين المتنافسين، بل بينهما من جهة وبين الطرف الغائب، أي الإخوان المسلمين. وقد تفهم هذه الحالة في سياق اللحظة التاريخية، لكن اعتبارا من اليوم فإن الأخبار السارة التي تُنتَظر من مصر تتطلب إطلاق النخبة الجديدة خطوات فعلية للمصالحة الوطنية؛ تبدأ بالإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين، والبدء بحوار وطني تحت مظلة الدستور، والانفتاح على الحريات العامة. وكل ذلك لا يتناقض مع الاستمرار في منع تمدد الإرهاب. وهذا التحول الحذر ممكن وإن كانت ستواجهه تحديات كبيرة، ولكنه الطريق الوحيدة الباقية لبناء مصر الجديدة بالحد الممكن من الديمقراطية.
المسار الطبيعي للتاريخ الإنساني في هذا الجزء من العالم، يقول إن هذه مرحلة لا بد منها، وإن العرب بحاجة إلى مرحلة الانتقال من حالة الشعوب النيئة إلى حالة الشعوب الناضجة، والتي قد تحتاج إلى حالة من الطبخ على نار مستعرة، ربما حتى نهاية القرن الراهن؛ سيشهدون صراعات وحروبا أهلية وإقليمية ودولية وفتناً، وقس على ذلك من أحوال، حتى يدخلوا في عملية تاريخية جريئة ودقيقة، تقود إلى إصلاح ديني حقيقي، وإصلاح سياسي جاد، يعيدان ميلاد المجتمع والدولة من جديد على أسس مدنية وديمقراطية.
هذا المسار التاريخي الذي مر به الغرب، مرت به جماعات ثقافية أخرى عرفت تجاربها صخبا أقل مما أحدثه الغرب عبر حروبه وثوراته واقتتاله الداخلي، وصولا إلى تصدير حروبه إلى العالم حتى استقرت به الحال. كذلك مرت به شعوب في الشرق الأقصى، على اختلاف دياناتها الأرضية والسماوية وفلسفاتها. في المقابل، لا أحد يستطيع أن يدّعي أن هذا المسار إجباري أو قدر محتوم، وأننا سنستهلك أجيالا ونحن ننتظر حركة إصلاحية اجتماعية كبرى، وتنويرا عربيا- إسلاميا. بل إن التحدي الكبير أمام الكتلة الاجتماعية-السياسية التي تبدو كبيرة اليوم، وتتخذ من الدين الإسلامي أيديولوجيا سياسية للوصول إلى السلطة، هو أن تتقدم خطوة جادة وتاريخية نحو الديمقراطية، والطريق نحو هذا التحول ليست في كل الأحوال عادلة.
أمام المصريين فرصة جديدة، وربما أخيرة، لكي يدهشوا العالم من جديد، بل وأن يصيغوا صدمة سياسية للعالم إذا ما استطاعوا أن يضعوا أسسا متينة لبناء دولة كل المصريين.