هل هي سنة جديدة؟

وصفات السعادة وأمنيات الفرح لا تكفي لبدايات جديدة، يتوالى الناس في التمسك بها سنة بعد أخرى، افتتاحية بعد أخرى. الضربة التي توجه للأحلام الوردية، قريبة جدا من الواقع القاسي؛ عائلات تمضي أياما بلا طعام، وأحكام تطلق على العائلات الجائعة لأنها لم تحدد النسل! فتيات صغيرات تحصلن على بضعة أشهر إضافية قبل جرهن إلى تجربة الزواج، وشبح الطلاق يلاحقهن من الليلة الأولى. نحلم بشتاء دافئ وفناجين قهوة ساخنة من خلف الشبابيك، والشبابيك ذاتها تطل على شوارع لا تصلح للتصوير والمشاركة! طفلة ترقد في قبر صديقتها، والأخرى تسكن بالخطأ تحت شاهد غريب، ولا يبدو في الأفق جواب واحد يسد رمق عائلات لم تكره عاما كما العام الفائت، من وقع الظلم وقمع الأسئلة المتاحة. نحلم أن يتبدل شيء ما ونحن نتلمس كلاما طيبا من أفواه المنجمات، لعل وعسى تشفى آمالنا غليلها من تنبؤات صدقت ولو كذبن. هل نصحو اليوم على أشجار تزهر برذاذ المطر تصبح على مدافئ الفقراء المهلوكة برائحة الكاز؟ هل نستيقظ على قرار واحد فقط، واحد يطبطب على رؤوس متوسطي الدخل ومعدميه؟ أحدهم قبل أيام عدة بعث برسالة لرئيس الوزراء بمنتهى الواقعية، شارحة بالورقة والقلم كيف لأسرة عادية أن تبقى على قيد الحياة، لو توفرت لها ستمائة وثلاثون دينارا فقط! البدايات الجديدة تحتاج لنهايات أكيدة. لا شيء ينتهي هنا بالمعنى الحرفي للمفردة، بقدر ما هو عملية إعادة تدوير للآلام والتوتر والإزعاج. الأعوام الجديدة تكتبها الشعوب الطامحة لوطن كبير، صغير لا فرق، يتسع لآهات الفقراء ويستمع للحلول الفردية المعقولة جدا، لكن لا تؤخذ بعين الاعتبار، خشية الإقدام على مبادرة إغاثية، ربما لا تنجح. الأعوام الجديدة تلتزم انتزاع الخوف من سدة القرار، والالتفاف حول طرف المنطق والعقل والقلب، لا بأس بذلك أحيانا. لا يحتاج الناس كلاما وتفاهمات معسولة، فهم غير راغبين في الوقوف في البرد وتحت المطر من أجل التسلية، أو لاختبار القدرات الخاصة. لو أن الأعوام الجديدة تحمل إيضاحات حازمة مشفوعة بالدلائل غير المحبطة، أن الأمر يمكن له أن يمضي بدون اللجوء لجيوب الموظفين والعمال والطلبة وربات البيوت. لو أن توقعات النجوم ترمي بحبل أمل واهن ضعيف، داخل بئر تزداد عمقا وظلمة وخوفا، بأنه ثمة ماء في الجوف يرطب شفاه عطشى العدالة والعيش الكريم. غدا يوم ثان في العام الجديد، ولا شيء سيبقى في طرقات البلد إلا صدى صيحات سهارى الليل المجاني، وقراطيس شطائر الشاورما، ودموع المغلوبات على أمرهن بعد الفراق الصعب، وتنهدات المغلوب على أمرهم بسبب قرار الفرار الذي لابد منه، بعد أن استنفدت كل الأحلام بوظيفة وبيت وستارة نافذة صغيرة. الأيام الجديدة لا تبلغ عمرا وتشيخ، هي جديدة لأن في النفس بقايا نفس ما تزال تقدر على الاشتباك. في العام الجديد، يتضرع الضعفاء لله أن لا يبردوا أكثر، وألا يجوع صغارهم أكثر، وألا تنطفئ قناديلهم أبدا. أمنيات ليست مستحيلة. في العام الجديد شخصيا، تريحني أمنيتان؛ صورة لكف يدي تمسك قصاصة مكتوب عليها: من القدس، سلام إلى أحبتي. وأخرى تشبه حلم فنجان القهوة خلف شباك بارد، يطل على وطن بخير.اضافة اعلان