هل وصلت حركة غولن التركية إلى النهاية؟

figuur-i
figuur-i

دايفيد ليبسكا* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 28 /1/ 2020

اضافة اعلان

نزل الخبر الذي نشر عن حقّان شوكور كالصاعقة على الكثير من الأتراك الأسبوع قبل الماضي؛ حيث سلّط الضوء على سقوط حركة غولن بسرعة البرق؛ فقد انتهى الأمر بأفضل لاعب كرة قدم أنجبته تركيا إلى العمل كسائق أجرة في مع "أوبر" وبائع كتب في الولايات المتحدة لتوفير لقمة عيشه.
في العام 2013، كان شوكور أيقونة الرياضة في تركيا، وكان نائباً في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي ظل على مدى أكثر من عشرة أعوام متحالفاً مع رجل الدين التركي فتح الله غولن، رفيق التيار الإسلامي.
في ذلك الوقت، كان لغولن -المقيم الآن في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة- ملايين الأتباع في أنحاء العالم؛ وكانت شبكته تدير آلاف المدارس في شتى بقاع الأرض، وأعمالاً بمليارات الدولارات وعدداً من وسائل الإعلام ودور النشر. وكانت الحركة تضم في عضويتها أيضاً آلافاً من العاملين في القضاء وقوات الشرطة والجيش في تركيا.
في ذلك الحين، وحّد حزب العدالة والتنمية وأنصار غولن قواهم من أجل تقليص نفوذ الجيش التركي، من خلال محاكمات طويلة في قضيتين بتهمة التخطيط لانقلاب. وجاءت تلك المحاكمات، المثيرة لشكوك وتساؤلات كثيرة، في إطار قضيتي "أرغنكون" و"المطرقة" اللتين شهدتا سجن المئات من ضباط الجيش العلمانيين.
بعد ذلك، جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) 2016، والتي قُتل فيها نحو 250 شخصاً. وحمّل الرئيس أردوغان أنصارَ غولن مسؤولية التخطيط للانقلاب، ووضع الحركة على قوائم المنظمات الإرهابية (وباتت معروفة باسم "حركة فتح الله الإرهابية"). وكان أردوغان هو الذي عقد قران شوكور على زوجته الأولى عندما كان عمدة لإسطنبول في التسعينيات؛ أمّا الآن، فقد أصدرت الشرطة أمراً باعتقال شوكور، المتهم بالارتباط بحركة غولن، واستولت على ممتلكات له بملايين الدولارات، في إطار سلسلة من عمليات التطهير في أنحاء البلاد.
وفي حملة التطهير، فُصل أكثر من 150 ألف موظف حكومي من وظائفهم، بينما سُجن نحو 50 ألفاً بتهمة مناصرة غولن. وفرضت تركيا غلق مئات المدارس والشركات التابعة لغولن في أنحاء العالم، وضغطت على حكومات أجنبية -بشكل أساسي في أفريقيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق– لتسليم أكثر من 80 مواطناً تركياً على صلة بغولن.
أما في أوروبا، فقد حظي الآلاف من أنصار غولن الموجودين في المنفى بترحيب حار، وسُمح لهم بالعيش هناك. لكن ذلك أصبح مصدر توتر لتركيا، خاصة مع ألمانيا، التي يقول مسؤولون أتراك أن نحو 14 ألفاً من أنصار غولن يعيشون فيها الآن. وفي العام 2018، قال متحدث باسم حزب العدالة والتنمية إن تركيا تنتظر من برلين أن تتخذ خطوات ملموسة ضد حركة غولن وأن تسلّم آلافاً من أعضائها.
وقال كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة هاينريش بول -التي تتخذ من برلين مقراً- في إسطنبول، إن السلطات الألمانية ليس لديها سوى القليل لتقدمه من الناحية القانونية.
وأضاف في تدوينة صوتية لموقع أحوال تركية أنه "فيما يتعلق بحركة غولن، فإن أغلبية الناس الذين يناصرون الحركة في ألمانيا ليس لديهم سجل إجرامي بأي شكل من الأشكال… ولا يعني هذا أنه لا يمكن توجيه اللوم للمنظمة، لكن من الصعب جداً إصدار أحكام بحق أشخاص لم يرتكبوا أي جُرم في ألمانيا".
وكان عشرات الآلاف من الأشخاص المشتبه في انتمائهم لحركة غولن قد فروا من تركيا، لكنّ حملات التطهير ما تزال مستمرة. وقد ألقت تركيا القبض على 176 جندياً الأسبوع قبل الماضي، والذين أُضيفوا إلى قائمة الضباط والجنود المعتقلين بتهمة الارتباط بحركة غولن، والتي تضم الآلاف.
وقال جان دوندار، الصحفي التركي المقيم في المنفى ورئيس التحرير السابق لصحيفة (جمهوريت)، في تدوينة صوتية لموقع أحوال تركية "إن أردوغان سحق المنظمة بأكملها، بعد أن ظلت متماسكة لأعوام… لقد خارت قواهم فجأة".
وتشير الأدلة إلى أن حفنة من أنصار غولن على الأقل قد لعبوا دوراً في محاولة الانقلاب الفاشلة؛ لكن الأرجح أن الأغلبية الكاسحة من أعضاء الحركة لم يكونوا على علم بالمخطط. وتشكل التغطيات الإعلامية التي تقدمها مؤسسات موالية للحكومة وجدان المواطنين الأتراك، ولذلك فإنهم يتفقون إلى حد كبير مع وجهة نظر حزب العدالة والتنمية.
أصبح الكثير من أعضاء الحركة -سواء كانوا في المنفى أم يعيشون في تركيا- مثل شوكور، يبحثون فقط عن طريقة للبقاء على قيد الحياة. وعدد المنظمات الدولية التي سقطت سقوطاً مدوياً وسريعاً مثل حركة غولن قليل.
وقال أحمد كورو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان دييغو، والذي كان مرتبطاً بالحركة في السابق، "إن الحركة لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد، لأن الناس ما يزالون يشاركون في أنشطتها في الكثير من الدول الغربية… لكن ما يزال يمكننا القول بأنها ماتت في تركيا، بل وربما حتى عالمياً، حيث لا مستقبل مشرقاً لها".
وفي الوقت ذاته، فإن غولن نفسه يقترب سنه من الثمانين عاماً، وقد بدا هزيلاً في الأعوام الأخيرة. ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه زعيم عنيد ما يزال يرفض الاعتراف بأخطائه ولا يملك القدرة على فعل ذلك.
وقال دوندار: "لم نسمع أي شيء من غولن نفسه عمّا يدور، وما حدث، وما هو الخطأ وما هو الصواب… إذا كانت الحركة بهذه القوة، فلا بد أن يكون هناك نقد ذاتي".
وتبنّى غوكهان باجيك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بالاتسكي في جمهورية التشيك والكاتب في موقع "أحوال تركية"، رأياً مشابهاً؛ وكتب في مقال في الأسبوع الماضي يقول: "ناهيكم عن السعي للتغيير، فإن الحركة لا تبدو حتى تعترف بأنها تعاني من أي مشاكل".
وينفى غولن أي تورط في محاولة الانقلاب، لكنه لم يقل أكثر من ذلك. وأشار باجيك إلى أن الحركة سمحت لشخصيات بارزة متهمة بأنشطة إجرامية -مثل بارباروس كوكاكورت وجوْدت تركيولو- بالبقاء في مناصبها، بدلاً من أن تؤكد نظافة يدها وتبدأ في إحراز تقدم. كما ظلت قيادات أخرى في مواقعها منذ السبعينيات أيضاً.
وأطلق عدد من أنصار غولن منظمات تَركّز عملها على حقوق الإنسان، ومن بينها منظمة قدمت الرعاية للدعاية المناهضة لأردوغان خلال قمة الأمم المتحدة العام الماضي، وأُخرى تصدر تقارير حول انتهاكات تركيا لسيادة القانون.
ويرى دوندار أن من الأمور المثيرة للسخرية أن كلاً من شريكي الممارسات الديمقراطية المريبة السابقين (حزب العدالة والتنمية وحركة غولن) ينظر إلى الآخر على أنه معادٍ للديمقراطية. وقال: "الآن هم يدافعون عن المبادئ التي ظللنا ندافع عنها لأعوام… لقد أدركوا لتوّهم خطر بعضهم بعضا، والذي كنّا على علم به لأعوام".
وتُساعد حكومة حزب العدالة والتنمية الآن طوائف إسلامية أخرى ظهرت لتملأ الفراغ الذي خلّفه أنصار غولن الموجودون في المنفى. وظلت الطُرق الدينية قوةً لها نفوذ في تركيا لعقود، وأبرزها النقشبندية، وهي طائفة إخوانية محافظة لها عدة فروع. وقد خرج حزب العدالة والتنمية نفسه من رحم أحد تلك الفروع، بينما تنحدر جماعة غامضة تسمى "منزل" من فرع آخر.
في كتابهما (الورم الخبيث)، الذي نُشر العام الماضي، يقول الصحفيان التركيان باريش ترك أوغلو وباريش بهليفان إن الحكومة تستبدل أنصار غولن منذ العام 2014، وتضع في محلهم أعضاء من جماعة "منزل". وتحدثت منصة (تي24) التركية المستقلة في الآونة الأخيرة عن عشرات التعيينات في الشرطة، التي بُنيت على العضوية في "منزل"، وقالت إن هذه الجماعة لها وجود في جميع محافظات تركيا، البالغ عددها 81.
والهدف الرئيس لـ"منزل" هو المصلحة الذاتية؛ فأعضاء هذه الجماعة يسعون إلى السلطة والنفوذ، فضلاً عن أنهم يديرون شركات كبرى ومدارس في الخارج ومؤسسات نشر وجامعة.
وكتب الصحفي المقيم في إسطنبول كيليان كوغان في مجلة (فورين بوليسي) الأسبوع قبل الماضي يقول "إن الشبكة التي بنتها (منزل) تتشابه كثيراً مع تلك التي كان أنصار غولن يديرونها في يوم من الأيام… خلال الأشهر القليلة الماضية، تداولت وسائل إعلام تركية على نطاق واسع اسماً مختصراً للإشارة إلى (منزل)، يُشبه كثيراً مثيله الذي يُطلق على حركة غولن".
ويقول محللون إن "منزل" لم تقترب بأي شكل من الأشكال من حجم الثراء والنفوذ الذي كانت حركة غولن تتمتع به. غير أن استبداد حركة غولن الشديد، في حقيقة الأمر، يبدو الآن أشبه بعقب أخيل.
وكتب باجيك يقول "إن حركة غولن منظمة على الطراز التركي الحقيقي، وذلك يعني أنها لا تحتمل أي معارضة"، مشيراً إلى أن غولن لم يُحاسَب أبداً. وأضاف: "نجاحات الحركة تُنسب إليه، لكن عندما يتعلق الأمر بفشلها، فإن تورطه في ذلك الفشل يُنفى".
وقال باجيك إن غولن لم يهتم كثيراً في أي وقت بالجانب المدني، وكان يُعطي الأولوية للتسلل إلى صفوف الجيش والمؤسسات الحكومية، عوضاً عن تطوير المدارس والمنظمات والشركات، التي يتعين على الحركة الاعتماد عليها اليوم. ويتوقف بقاء الحركة على الأرجح على أن يُقرّ غولن ورفاقه في صفوف القيادة بأخطائهم ويجدوا سبيلاً للتغيير.
وقال دوندار: "إنهم بحاجة إلى نقد الذات هذا، وبعد ذلك يمكننا التحدث إليهم عن الأخطاء التي حدثت والوضع الذي سيتخذونه في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا… لكن في الوقت الحالي، كل ما أراه هو تقهقر كامل، وأنهم لا يعرفون ما يمكنهم فعله".

*كاتب وصحفي مختص بالشأن التركي.