هل يئد التوجيهي المراكز الثقافية؟

بدت امتحانات الثانوية العامة منذ نحو عامين بشكل مختلف، فقد ساهمت وزارة التربية والتعليم من خلال مجموعة من القرارات بتخفيف العبء النفسي على الطلبة وذويهم، ممن باتوا يتعاملون مع الامتحانات بأريحية أكبر، والتي طالما شكلت بالنسبة إليهم هاجسا مخيفا ورعبا يصيب المجتمع بأكمله.اضافة اعلان
حالة الرعب التي كان يعيشها هؤلاء نتيجة لطبيعة بعبع "التوجيهي" المصيري في حياة كل طالب، ساهمت بدرجة عالية بانتشار الدروس الخصوصية، والمراكز الثقافية التي خاضت معها الوزارة قبل أعوام قليلة معركة شرسة باتجاه تنظيمها، وهي معركة شهدت تحركات لمعلمين طرقوا أبوابا عديدة من بينها أبواب مجلس النواب للحيلولة دون تطبيق القانون بحقهم، حيث انتهت حينها بأن تم غض الطرف عن عمل هذه المراكز، التي للأسف استباح العديد منها رسالتها السامية في تعليم الطلبة.
كان لامتحان التوجيهي وقع سلبي على الأهل ممن يسارعون إلى إرسال أبنائهم إلى مثل هذه المراكز بحجة أن الطالب لا يستفيد من المعلمين في المدرسة ويحتاج إلى تقوية. قد نتفهم ذلك في بعض المدارس الحكومية، أما في المدارس الخاصة التي تأخذ أقساطا سنوية مرتفعة من ذوي طالب التوجيهي (نحو 3000 آلاف دينار سنويا في مدارس متوسطة ويزيد الرقم في مدارس أخرى)، فهذا أمر لا يمكن القبول به، إلا إذا دخلنا في ضمائر بعض المدرسين وقررنا مسبقا أنهم يتعمدون التقصير في شرح المنهاج للطلبة لفتح المجال أمامهم لتدريسهم بمنازلهم فرادى أو ضمن مجموعات، أو بدعوتهم للتسجيل في المراكز التي يمنعها القانون من تدريس منهاج التوجيهي.
"تجار العلم" استغلوا هذا الأمر جيدا، ففكرة المراكز الثقافية التي تقوم على توفير شرح مستفيض للطلبة يساعدهم على تحقيق علامة مرتفعة، تحولت إلى طامة كبرى، فبعض الحصص الدراسية بالقاعات تحتضن نحو 70 طالبا من الذكور والإناث، وفي مساحة ضيقة، وليلا ونهارا، فأي تحصيل علمي هذا الذي سيناله طالب بينما في جواره نحو 69 آخرين في حصة تقوية لمعلم قد لا يسمع صوته من هو جالس في آخر القاعة، ناهيك عن أن مدة الحصة الواحدة (في أغلبها 60 دقيقة) كفيلة بأن تضيع سدى لو أن عشرة طلاب فقط قرروا أن يستفسروا من المعلم عن أي معلومة تهم المنهاج.
هذه المراكز أرهقت أيضا جيوب المواطنين، خصوصا أن الطالب لا يسجل مادة واحدة فقط في الغالب، والأمر العجيب أن هناك حصص تقوية في مواد لا تحتاج لتقوية، كالتاريخ والتربية الإسلامية والجغرافيا. قد نتفهم الأمر في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء، واللغتين؛ العربية والإنجليزية، ولكن تلك المواد لا أحد يصدق أن الطالب يحتاج فيها إلى تقوية. المثير للسخرية، هو أن بعض المراكز توفر عروضا كما في الاسواق التجارية، فتعلن: "سجل في مادتين واحصل على الثالثة مجانا!".
سياسة التربية في التعامل مع امتحانات التوجيهي سلاح ذو حدين، فمن الجيد أن تساهم في تخفيف الضغط النفسي عبر وضع أسئلة من المنهاج من دون فذلكة أو فلسفة، وهذا ساهم إلى حد كبير في قطع الطريق أمام الراغبين في استغلال حاجة الطلبة بعد ترهيبهم من جو الامتحان. أما السلاح الثاني فيتعلق بمخرجات الامتحان وهذا يحتاج إلى حديث مطول ليس مقامه هنا.
كما أن ذوي الطلبة يتحملون جزءا من المسؤولية، إذ إن عليهم الآن التعامل مع "التوجيهي" على أنه سنة دراسية عادية، وألا تدفعهم العاطفة نحو تشتيت أبنائهم بين المراكز الثقافية والدروس الخصوصية والدوسيات، وأن يعمدوا إلى توفير معلم تقوية لدروس معينة فقط يعتقدون بأن الحاجة تستدعي لها، ومن شأن هذا أيضا أن يوفر عليهم أموالا طائلة تصرف بغير طريقها.