هل يبايعون "داعش"؟

بعد أيام فقط من تعيين مصر أول سفير لها لدى إسرائيل منذ العام 2012، تبنى تنظيم "داعش" الإرهابي، يوم الجمعة الماضي، إطلاق صواريخ على الدولة العبرية. وبذلك، تبدو مكتملة تماماً "الوصفة المثالية" بالنسبة لقوميين ويساريين عرباً جعلوا من عداء إسرائيل وأميركا، ولو لغواً، مبرراً كافياً لتأييدهم كل دكتاتورية وإرهاب في العالم العربي؛ وليكون التساؤل بالتالي عما إذا كان هؤلاء "العلمانيون المقاومون"، سيؤيدون "داعش" ويعلنون البيعة له، على الأقل "ولاية سيناء" في مواجهة الجيش المصري؟ لاسيما وأن التنظيم بصواريخه الثلاثة كما أعلن أو الاثنين كما أكدت إسرائيل، يكون قد تفوق على بشار الأسد الذي لم يطلق رصاصة واحدة تجاه الجولان السوري المحتل طوال سنوات حكمه الخمس عشرة، لكنه استحق كل الدعم على جرائمه السابقة واللاحقة للثورة السورية، بدعوى "المقاومة والممانعة"، وتحرير فلسطين وليس الجولان فقط!اضافة اعلان
والسؤال ليس خيالياً أو افتراضياً أبداً. فموثقة، على سبيل المثال لا الحصر، مشاركة رموز "قومية-يسارية-علمانية" في تظاهرات وفعاليات لأعضاء السلفية الجهادية، قبل سنوات قليلة فقط، بدعوى الالتقاء معهم على عداء الولايات المتحدة!
لكن إذ انكشفت ذريعة "المقاومة والممانعة" لدى هؤلاء العلمانيين العرب، فإنه يظل الجانب الأخطر لخطابهم الذي يطال العامة. فماذا لو بدأت التنظيمات الإرهابية باستغلال قضية فلسطين، ولو لفظياً، كما تفعل أنظمة الاستبداد؛ ناهيك عن إطلاق بعض الصواريخ باتجاه إسرائيل من مناسبة لأخرى؟ ألن يؤدي ذلك، حتماً، إلى تشجيع انخراط مزيد من الشباب العربي في هذه التنظيمات؟ "القاعدة" تبدو نموذجاً كافياً هنا. إذ بنى هذا التنظيم شعبيته بعد حرب أفغانستان على العداء للولايات المتحدة والغرب عموماً. ويمكن العودة إلى استطلاعات الرأي عقب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، لمعرفة شعبية التنظيم يومها.
وحتى محاولة الانقلاب على تفاصيل هذه السياسة التي هي في جوهرها "لاسياسة" أبداً، لم تؤد إلا إلى ظهور الوجه الآخر المظلم لهذا الجوهر ذاته؛ وذلك حين تم اعتبار كل التنظيمات الإسلامية محض تنظيمات إرهابية، في إطار الحرب لإبقاء الأوضاع القائمة، فساداً واستبداداً، بأي ثمن.
ففي آخر حرب إسرائيلية على قطاع غزة، صار "طبيعياً" تماماً أن تجد تياراً "عربياً"، شعبياً ونخبوياً، يدافع صراحة عن العدوان الإسرائيلي وإبادة الفلسطينيين، طالما أن "حماس" حاكمة القطاع، حركة إسلامية، وتنتمي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. ولتكون هي المسؤولة عن قتل المدنيين الفلسطينيين الذين اتخذتهم "رهائن"، هذا إن لم يكن استحقاق هؤلاء المدنيين الموت بلا شفقة لأنهم يؤيدون "حماس"؛ تماماً كما يُبرر قتل العراقيين والسوريين المدنيين كونهم خاضعين لداعش أو أي تنظيمات إسلامية! بل ولعل هؤلاء "الشجعان الصريحين" في عدائهم لكل إسلامي حتى لو كان الخصم إسرائيل، يكونون في وضع أفضل من أولئك الذين تفاجأوا خلال العدوان الإسرائيلي بأن المقاومة في فلسطين إسلامية أساساً، وأنهم حشدوا ضدها من دون أن يدروا! أو نسوا أن إسرائيل تستطيع إلصاق تهمة "داعش" بكل فصائل ومقاتلي المقاومة الفلسطينية، تماماً كما يفعل أنصار أنظمة الاستبداد والفساد العربية، باعتبار كل معارض لهذه الأنظمة داعشياً!
رغم أن غالبية التنظيمات الإرهابية ترفع اليوم شعارات إسلامية، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أنها الابن الشرعي أيضاً للخطاب "العلماني" العدمي عربيا. ولذلك، ليس يكفينا لمواجهتها الإصلاح الديني، بل نحتاج بالدرجة نفسها إصلاحا لهذا الفكر العلماني العربي القومي واليساري؛ أي إصلاح شامل.