هل يتصدر "التباعد الجسدي" أولوياتنا في المناسبات الاجتماعية؟

Untitled-1
Untitled-1
منى أبوحمور عمان- هل تمكنت جائحة كورونا من تغيير الكثير من العادات الاجتماعية "المتكلفة" التي لم تتمكن المواثيق العشائرية ومؤسسات المجتمع المدني من تغييرها في السنوات الماضية؟، خبراء أكدوا لـ"الغد" الأثر الكبير لتداعيات انتشار الفيروس على العلاقات الاجتماعية والمناسبات كالأفراح والأتراح التي كانت تفرض على أصحاب المناسبة عبئا ماديا واجتماعيا في الوقت ذاته. رغم بشاعة تداعيات جائحة كورونا وثقلها على الأسر الأردنية، إلا أن العديد من المواطنين أبدوا ارتياحهم للإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة بل وأيدوها، خصوصا في اقتصار حفلات الأعراس على عائلة العروسين، إلى جانب توقف المبالغة في حفلات التخرج، وكذلك بيوت العزاء. اقتصرت الأفراح في الآونة الأخيرة وبيوت العزاء وحفلات التخرج على أفراد العائلة، وهو ما دفع العديد من المواطنين الذين أكدوا لـ"الغد" لمواظبتهم على هذه الإجراءات حتى بعد انتهاء الوباء، فالأعراس تمت، وكذلك بيوت الأجر بدون الحاجة إلى دفع مزيد من التكاليف.خبراء ومتخصصون، بدورهم، صرحوا لـ"الغد" أن 85 % من الأردنيين، وبحسب الدراسات والإحصائيات المحايدة، سيلتزمون بكافة قواعد الصحة والسلامة الشخصية والعامة التي فرضتها جائحة كورونا، والتي تعود بالمنفعة. ومن جهته، يدعو أخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي كافة أبناء المجتمع إلى المبادرة بالتأثير على الأفراد الذين يعتقدون أن هذا المرض "غير موجود"، ولا يؤثر على الصحة والسلامة العامة، والذين لا تتجاوز نسبتهم 15 % من خلال الوعي والإرشاد وتوجيههم للالتزام بشروط التباعد الصحي، وذلك للفائدة الكبيرة التي تعود عليهم بسبب اتباع "التباعد الجسدي"، والالتزام بقواعد الصحة العامة، التي أفرزت ما يعرف بالتكافل الصحي بين أبناء المجتمع. ويقول الخزاعي "التكافل الصحي الآن موجود، ولكن علينا أن نلتزم وأن نطبقه على أرض الواقع من حيث التمسك وتفعيل المسؤولية المجتمعية من قبل كافة الناس لمواجهة هذه الجائحة"، والتمسك بها بالرغم من وجود بعض الأفراد غير الملتزمين، وهم في النهاية لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يعتبرون قدوة لأبناء المجتمع، وعلينا أن لا نكل ولا نمل من عملية التوعية والإرشاد. ومن جهة أخرى، يتميز المجتمع الأردني وفق أخصائي علم الاجتماع الأسري الأستاذ مفيد سرحان بمنظومة علاقات اجتماعية قوية سواء على مستوى الأسرة أو الأقارب أو العشيرة والعائلة، وقد جاءت جائحة كورونا لتؤكد متانة العلاقات الاجتماعية، وتمثل ذلك باحتضان الأسرة لأبنائها عندما أغلقت الحدود ومنع التنقل، وكان الجميع يشعر بالسعادة للقاء الأسرة لفترة طويلة. وفي المناسبات الاجتماعية يشارك الكثير من الأقارب والأصدقاء صاحب المناسبة، انطلاقا من أواصر القربى والصداقة، وهي مظاهر تشير إلى طبيعة علاقاتنا الاجتماعية، والحرص على التواصل مع الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وفق سرحان. ويضيف "هذه الصورة ومع تزايد الأعباء المالية وتدني الدخل، وتباعد أماكن السكن، وتعاظم ظاهرة التقليد الأعمى للآخرين، وغلبة المظاهر، وانتشار ثقافة الاستهلاك، مع كل ذلك أصبحت كثير من العادات الاجتماعية تشكل عبئا ماليا واجتماعيا كبيرا على الغالبية العظمى من الأسر". ويقول سرحان "خلال جائحة كورونا ومع فرض حظر التجول لفترات ومنع التنقل خلال الفترة السابقة، واستمرار منع التجمعات وإغلاق قاعات الأفراح، اضطر الكثيرون إلى التواؤم مع الواقع، وذلك باقتصار حفلات الزواج على عدد محدود من الحضور من أهل العروسين وإقامة حفل الزواج في البيت، وكذلك أصبح تقديم واجب العزاء بعد دفن الميت على المقبرة أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي". هذا التغير في العادات الاجتماعية، وفق سرحان، بسبب ظروف انتشار كورونا قابله الكثيرون بالارتياح نظرا لتقليل التكاليف، وتوفير الوقت على الجميع، ويمنع الإحراج عن غير المقتدرين، ويخفف الأعباء عن الأسر. ويذهب إلى أن البعض استثمر هذا الظرف لإتمام زواجهم، أو الإقدام على الخطبة، حيث الفارق الكبير في التكاليف، في حين أجل آخرون مواعيد زواجهم بانتظار إعادة الأمور الى سابق عهدها، لاعتقادهم أن الفرح يتطلب احتفالات ونفقات، وحضور أعداد كبيرة بالرغم من أنهم غير مقتدرين ماليا، وسيلجؤون إلى الاستدانة لإتمام متطلبات الزواج، فقط لمحاكاة الآخرين وتقليدهم، وحتى يقيموا حفلا أكبر من حفل قريب أو صديق. ويضيف سرحان "خلال الفترة الماضية أعلنت العديد من المواثيق الشعبية من عائلات وعشائر وشخصيات لتنظيم العلاقات الاجتماعية في المناسبات، وهي تؤكد القناعة بأهمية التغيير الإيجابي والحاجة إليه، وضرورة استثمار هذه الفرصة والبناء عليها، واستمراريتها"، منوها إلى أنها تحقق الكثير من حاجاتنا الاجتماعية، وهي مطلب نادى به الكثيرون منذ سنوات، وكانت لهم محاولات متعددة لم يكتب لها النجاح لأسباب متعددة. التغيير بحاجة إلى جهود الجميع وهي مسؤولية مشتركة، الغني والفقير والإعلام، الفرد والأسرة والمجتمع، عناصر تكمل بعضها بعضا. ويصنع تعاونها النجاح في التغيير، وفق سرحان. المجتمع الآن أمام فرصة كبيرة لتحقيق قفزة في التغيير الاجتماعي الإيجابي، وتحقيق ما لم يحققه في عقود. الظروف المفروضة مواتية وحافزة، سواء انتشار وباء كورونا وما يتطلبه من إجراءات وقائية، أو صعوبة الظروف الاقتصادية. فعقود الزواج شهدت انخفاضا بنسبة كبيرة العام الماضي والذي سبقه، ومتوسط سن الزواج يرتفع لكلا الجنسين. ويعلل، بسبب العادات السائدة التي تبدأ تكاليفها المرتفعة قبل حفل الزواج، بجاهات مبالغ فيها من حيث العدد والتكاليف، وملابس ومصاغ ذهبي وأثاث وتجهيزات، تفوق كثيرا الحاجة والقدرة وتقاليد العزاء التي تفرض على أهل الميت التفرغ لثلاثة أيام متتالية لتقبل العزاء، وإقامة الولائم، وأيضا حفلات التخرج من الجامعات التي تنافس حفلات الزواج، حتى رياض الأطفال والمدارس أصبح لها تقاليدها المقدسة، وكذلك أعياد الميلاد، وهي مناسبات سنوية متكررة بحاجة الى إعداد لأيام ودعوات، ترصد لها الأسرة من ميزانيتها، وتأخذ أولوية في النفقات. ويضيف "كل ذلك وغيره يحتم علينا جميعا أن ننطلق الى الأمام ونتحرر من قيود كبلت الجميع طواعية، وسببت لمجتمعنا مشكلات كثيرة مادية واجتماعية". ويرى سرحان أن مسؤولية الإعلام في هذا الظرف مضاعفة في التوعية ونشر المبادرات، والنماذج الإيجابية وتشجيعها، والتفاعل معها وتبنيها، معللا "ليشعر هؤلاء أنهم مقدرون من مجتمعهم وليسوا غرباء، وأن ما يقومون به ليس خدمة لأنفسهم فقط، بل للمجتمع عموما".اضافة اعلان