هل يدعم ترامب التدخلات العسكرية التركية في ليبيا؟

الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب - (أرشيفية)
الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب - (أرشيفية)
إدوارد جي ستافورد – (أحوال تركية) 2/7/2020 لاقى تحسن العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة. ففي شهر حزيران (يونيو)، قال أردوغان أن الرئيسين تواصلا حول التطورات في ليبيا بشكل إيجابي، من دون تقديم تفاصيل جوهرية عن المناقشات. فما هو تأثير علاقاتهما الشخصية الإيجابية الحالية على الأحداث هناك؟ أعلنت واشنطن دعمها لحكومة الوفاق الوطني التي تدعمها في معركتها ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، والذي تدعمه دول مثل روسيا ومصر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة. لكن دعم الولايات المتحدة لحكومة الوفاق الوطني يبقى دبلوماسيا، حيث أن سفارة الولايات المتحدة في ليبيا موجودة في تونس. من جهتها، قيل أن روسيا وظفت أفرادا من عملائها السوريين والسودانيين لتعزيز قوات مجموعة "فاغنر" لدعم حفتر. لكن فرنسا تعارض الإجراءات الروسية، وتدين التدخل التركي في نفس الوقت، من دون أن تقدم الكثير من الدعم المادي. ومثل الولايات المتحدة، تدعو باريس جميع الأطراف إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار والتفاوض على تسوية للصراع. كما اشتعل التوتر في حوض المتوسط مع رغبة أنقرة في التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المناطق المتنازع عليها في الشرق. ولتحقيق أهدافها، أبرمت اتفاقا مع حكومة الوفاق الوطني لاحترام حدود تركيا البحرية في المنطقة، وهو ما اعتبرته أطراف مثل اليونان وقبرص غير قانوني. ويتساءل المرء عما إذا كان ترامب مُحقا في تجنب أي تدخل في حرب ليبيا. بالنسبة له، تعد الأزمة على الأرجح مجرد صراع آخر في "ذلك الجزء من العالم"، ولا يستحق استثمار القوات الأميركية والتضحية بحياة جنودها. وكما شهدنا في شمال سورية، يبدو الرئيس الأميركي أكثر استعدادا للسماح لنظيره التركي بتحمل كل من العبء والتكاليف والمخاطر. في المقابل، يتطلع أردوغان إلى الفوائد التي يمكن أن يجنيها من الصراع، لكن مطامحه تقتصر على صورته ومكانته الإقليمية، ولا تمتد لتشمل مصالح تركيا أو شعبها. يريد الرئيس التركي أن يكون لاعبا رئيسيا في الشؤون الإقليمية، وأن يستعيد نفوذ تركيا العثمانية التي توسّعت في القرون الماضية. وقد سعى في السابق إلى إرساء نفوذه من خلال الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والاستثمار والتعليم. لكن الغزوات العسكرية الأخيرة في سورية، وإنشاء قاعدة في قطر، والتدخل العسكري المباشر في ليبيا، تكشف كلها عن تضاعف استعداده لاستخدام الموارد العسكرية لتوسيع نفوذه لتحقيق الهيمنة. في ليبيا، يمكننا أن نتوقع أن يدفع أردوغان باتجاه الصراع مع القوات المدعومة من روسيا، وحتى الأفراد الروس المتواجدين هناك. ولكننا لا نتصور أنه يرغب في دخول صراع مفتوح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تبقى استراتيجية الرئيس التركي محفوفة بالمخاطر، ولكن العلاقات الوثيقة بين القوات الروسية التركية في سورية (على الرغم من دعمها لأطراف متعارضة) قد تكون نموذجا لكيفية إدارة العلاقات لتحقيق أقصى فائدة مع "خسائر مقبولة" (مقبولة بالنسبة للدولة التركية التي يقودها، وليس أقارب الجنود الذين قتلوا في صراع مع القوات الروسية أو المدعومة من روسيا). في نفس الوقت، يحاول أردوغان حشد أولئك الذين يعارضون الجهود الروسية لفرض سيطرته على الشؤون الليبية والنفط، ومن أجل تشتيت الانتباه عن تحركات تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ضد مصالح دول مثل مصر وإسرائيل. كما أنه يصرف الانتباه عن سلوك حلفائه المتمردين الوحشي في شمال سورية، على الرغم من أننا نتوقع أن يرجعوا إلى دائرة الضوء مع أنشطتهم في ليبيا بعد أن جندتهم تركيا للقتال في صفوف حكومة الوفاق الوطني. ولا تقوض مغامرات أردوغان خارج حدود بلاده قدرته على مراقبة الوضع السياسي الداخلي. ونرى الكثيرين في قاعدته فخورين به لـ"رفعه مكانة تركيا في العالم"، مع تركيز التقارير الصحفية التي تخدم الحكومة على انتصاراته، من دون إيلاء الكثير من الاهتمام للخسائر في الأرواح أو الاقتصاد. وكما هو الحال في سورية، إذا بقي عدد القتلى أو الجرحى من الجيش التركي منخفضاً، فمن المحتمل ألا يواجه أردوغان رد فعل قوي من معظم الناخبين الأتراك. وقد يعيق دعمه حكومة الوفاق الوطني بدلا من الولايات المتحدة الدعوات لفرض عقوبات على تركيا لتواطؤها مع موسكو بشرائها نظام الدفاع الصاروخي (إس-400)، على الرغم من معارضة دول "الناتو". ولكن، ماذا عن الحكم الأخير على متين توبوز، الموظف في القنصلية الأميركية في إسطنبول، والذي يحاكم بتهمة التجسس؟ حكمت محكمة في إسطنبول على توبوز بالسجن لثماني سنوات. ألا يهم الأمر ترامب؟ ربما لا يهتم كثيراً. ويحيل موقفه "أميركا أولا" غير الأميركيين، وحتى الموظفين المخلصين في بعثاتها الدبلوماسية، إلى وضع أقل لا يستحق إجراءات مثل سنّ عقوبات ضد الوزراء الأتراك، والتي طبقت في قضية المواطن الأميركي القس أندرو برونسون الذي سجنته السلطات التركية أيضاً. وماذا عن التقارير التي أشارت إلى أن ترامب أمر مكتب التحقيقات الفدرالي بالتحقيق في أنشطة فتح الله غولن في الولايات المتحدة، لمعرفة ما إذا كان يمكن ترحيل رجل الدين الذي تتهمه تركيا بتدبير انقلاب فاشل في 2016؟ قد تكون التقارير صحيحة، ولكن من غير المحتمل أن نشهد ترحيل غولن قريبا، فهو مقيم قانوني ودائم في الولايات المتحدة، ويتطلب الأمر إدانته بجريمة تمكن من اعتماد قانون الهجرة الأميركي لترحيله. وبينما قد يفكّر الكثيرون في الولايات المتحدة في ترحيل غولن لتحسين العلاقات مع تركيا، فإن ترامب لا يسيطر على نظام العدالة أو القضاء في الولايات المتحدة كما يفعل أردوغان في تركيا. يبدو أردوغان وكأنه يتلاعب بليبيا وترامب، مستفيدا من الأوضاع الإقليمية لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية، وتأخير العقوبات الأميركية، وتوسيع النفوذ التركي في الخارج، وتوسيع قاعدته الانتخابية. لكن الأمور قد تتغير إذا سجلت القوات التركية خسائر جسيمة في أفرادها خلال معاركها الخارجية. ولا يأمل أي شخص شريف في رؤية ذلك. *أكاديمي عمل في أقسام تابعة للشؤون الخارجية الأميركية ومتخصص بالشأن التركي.اضافة اعلان