هل يستطيع "الحب القاسي" أن ينقد لبنان؟

لبنانيون يحتجون على سياسات الحكومة في ساحة الشهداء وسط بيروت - (أرشيفية)
لبنانيون يحتجون على سياسات الحكومة في ساحة الشهداء وسط بيروت - (أرشيفية)

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة 

فرانكلين لامب – (كاونتربنتش) 22/6/2018

"يمكنكم التأهل لتلقي المعونة الأميركية والغربية لإنقاذ لبنان، أو يمكنكم تسليم ما تبقى من سيادة بلدكم لإيران". هكذا قال أحد موظفي الكونغرس بعد أن قدم رئيسه مؤخراً مشروع قرار لقطع كل المساعدات عن لبنان حتى "يقوم بتنظيف بيته من الميليشيات الإيرانية ويستعيد السيادة اللبنانية".

اضافة اعلان

يسمع المرء بشكل متزايد هذه الأيام في شوارع الحمرا البيروتية وفي الكثير من أنحاء لبنان، لازمة مكرورة مثل السنسكريتية، والتي تقول: "لبنان لم يكن أبداً بلداً حقيقياً، وهو ليس الآن بلداً حقيقياً ولن يكون بلداً حقيقياً خلال حياة مواطنيه الحاليين". وقد أصبح هذا الوصف نوعاً من الحقيقة البدهية التي تستحق بعض التأمل.

قبل بضعة أيام، حدث ما قيل إنه نوع من الضجة والنقاشات الحادة المتعارضة في مطار رفيق الحريري في بيروت، والتي لم تتحول لحسن الحظ إلى تشابك بالأيدي. حدث ذلك عندما وصل اللبنانيون المتعبون من السفر والمسافرون الدوليون القادمون إلى بيروت من أجل بداية موسم السياحة واصطفوا في طوابير الانتظار الطبيعي لختم جوازات سفرهم. ويقال إنهم أُخبِروا بأن عليهم أن يكونوا مضيافين وأن يتنحوا جانباً لإفساح المجال أمام المقاتلين الإيرانيين الذين تقرر أنهم لم يعودوا في حاجة إلى ختم جوازات سفرهم، بل ولا حتى إلى جوازات سفر من الأساس على ما يبدو. وشرح رجل ميليشيا شاب لجمع لبناني متشكك ومتوسع ومستثار في المطار: "نحن حجاج نزور المقامات من أجل زينب في لبنان".

لم تكن هذه أخبار جديدة بالنسبة للبعض من الذين يعملون في المطار والذين على دراية بأنه بناء على تعليمات الزعيم المقدّر في لبنان، قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فإن "المقاومة" تستخدم مطار بيروت كقاعدة لعملياتها، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 15/6/2018. ويشاهد المواطنون اللبنانيون ذلك مباشرة بأعينهم أو يخبرهم به بانتظام الأقارب والأصدقاء الذين يعملون في المطار ويشاهدون عمليات تهريب المخدرات والأسلحة والسماح للمقاتلين الإيرانيين بالتنقل بحرية إلى البلدان الأخرى من دون وضع أختام على جوازات سفرهم.

صعدت هذه المسألة إلى السطح في 17/6/2018، عندما أصدر رئيس الأمن العام اللبناني الموالي لإيران، عباس إبراهيم، ومن دون تكلف حتى عناء التشاور مع مجلس الوزراء اللبناني، قراراً مثيراً للجدل يقضي بالسماح للمسافرين الإيرانيين بدخول لبنان من دون ختم جوازات سفرهم. وخلال 48 ساعة، ألغى وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، مرسوم "المقاومة" هذا، وأصر على أن "مثل هذا القرار يجب أن يتخذه رئيس الوزراء، وليس إبراهيم. ويعتبر الكثير من اللبنانيين إبراهيم، إلى جانب "الرئيس" ميشيل عون، ووزير الخارجية جبران باسيل، ورئيس هيئة أركان الجيش اللبناني، الجنرال جوزيف عون، بالإضافة إلى رئيس ميليشيا أمل، رئيس البرلمان نبيه بري، من بين مسؤولين حاليين آخرين، موالين بشكل أساسي لقائد قوات القدس، قاسم سليماني.

كما ذُكِر أعلاه، عندما علم الجمهور بقرار إبراهيم منح المقاتلين الإيرانيين دخولاً حراً في المطار "من أجل الحج"، عبر الناس، إلى جانب العديد من المسؤولين اللبنانيين، وكذلك من الجمهور الدولي، عن الغضب والاحتجاج، على الرغم من تطمينات إبراهيم والرئيس عون المذعورة بأن هذه الممارسة "طبيعية".

البعض رصدوا الاختلاف بين العدد المتنامي من الزوار الدوليين الذين يقفون في طوابير ختم الجوازات البطيئة مع بدء موسم السياحة اللبنانية، وبين المقاتلين الإيرانيين الذين يقفزون ويتجهون إلى مقدمة الطابور مباشرة. وبالإضافة إلى موظفي المطار، وكوادر الأمن، وسائقي سيارات أجرة المطار وأصحاب المحلات في المطار وحمالي الأمتعة، كان هذا مثالاً إضافياً على تسليم ما تبقى من السيادة اللبنانية إلى طهران. ويقال أن عبارة "الفرس يعودون إلى فارس" كانت إهانة صريحة وجُهت إلى الشبان.

سرعان ما ظهرت التقارير التي تتهم حزب الله بالسماح لقوات الحرس الثوري الإيراني بالاستيلاء بشكل أساسي على مطار بيروت لتستخدمه كقاعدة للنظام الإيراني لتخزين ونقل الأسلحة وتسريع وصول المقاتلين إلى المواقع والبلدان المحددة من أجل خدمة استراتيجية طهران للتدخل الإقليمي.

من المؤكد أن الدعوات إلى إقالة إبراهيم من منصبه سوف تتكسر على صخرة دفاع رعاته النافذين، لكن الجمهور سوف يراقب عن كثب على الأغلب ما يشاع عن خطط "المقاومة" لإعادة تصميم هيئة المطار وتعميقه. وثمة شكوك تنتشر بأن المرافق تحت الأرضية المحصنة والمقاوِمة للقنابل وتخزين الصواريخ سوف تبنى عميقاً تحت الأرض.

لكن المشاكل المتعلقة باقتصاد لبنان ووضعه السياسي تستمر في التصاعُد. وبالنسبة لملايين اللبنانيين القلِقين الذين غادروا البلد والذين يشكلون نحو 75 في المائة من سكان ما قبل الحرب الأهلية (1975-1989)، إلى منظمات الإغاثة غير الحكومية، ووكالات الأمم المتحدة، والمختصين في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومدراء سوق المال الدوليين، من بين كثيرين آخرين بمن فيهم الجامعة العربية، يسود اعتقاد بأن لبنان يمكن أن يكون قضية خاسرة.

لكن لبنان، فيما قد يتفق عليه معظمنا، يستحق الإنقاذ حقاً كبلد مستقل، ويمكن فعل بعض الأشياء، حتى على المدى القصير، لإجراء عملية إنقاذ طارئة له. ويقول الكثيرون أن ثمة الكثير مما يمكن عمله لإنقاذ لبنان على مدى الأشهر الستة القادمة، من خلال ممارسة نوع من الحبّ القاسي السياسي والاقتصادي، والذي يكون قوياً ومستداماً ومراقَباً عن كثب.

إحدى الخطوات الأولى المقترحة هي أن تعمد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى القطع الفوري لكل المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى لبنان حتى بداية العام 2019. ويجب أن تعقب هذه الفترة دراسة لمدة ستة أشهر ومراجعة للفساد الذي ابتلى "البلد" على مدى العقد الثلاثة الماضية تقريباً منذ "نهاية" ما تدعى "الحرب الأهلية". وفي فترة ما بعد الحرب الأهلية التي شهدت تحوُّل أمراء الحرب إلى أباطرة سياسيين راسخين، يقومون بالقضاء على المنافسين ويتقاسمون الحقائب الوزارية في البرلمان اللبناني، على أساس مجموع المال الشخصي الذي تجلبه كل حقيبة وزارية لـ"وزيرها". واليوم، مرة أخرى، لم يتم تشكل أي حكومة بعد انتخابات أيار (مايو) لأن بعض المتكسبين لم يحصلوا بطريقة مرضية على المناصب التي يريدونها بعد. وإذا فشل جهد تشكيل حكومة، فإن انتخابات لبنان ستكون مرة أخرى بلا فائدة إلى حد كبير.

ما يزال العديد من مسؤولي الأحزاب السياسية في لبنان يعربون عن القلق من أن السماء تسقط، وأن لبنان "على حافة الهاوية"! وكشخص متخصص في إشاعة القلق، أعلن رئيس البرلمان اللبناني على مدار ثلاثة عقود تقريباً ززعيم ميليشيا أمل، نبيه بري، المعروف في لبنان بلقب "البلطجي" وأحياناً "السيد 50 في المائة"، بسبب ميزانية لبنان السنوية المتهم بتجفيفها منذ عقود، أعلن يوم 18/6/2018 أن "تشكيل حكومة جديدة أصبح ضرورية ملحة. لقد أصبح لبنان على حافة الهاوية، ويهدد وضع الاقتصاد بمخاطر كبيرة قد لا يستطيع البلد تحملها". لكن الرئيس نبيه بري سيكون هو الذي يعيق تشكيل حكومة لبنانية لأي مدة يتطلبها الأمر حتى يتمكن –مع حزب الله- من تحقيق ما تريده طهران للبنان.

في الأثناء، يقال أن العديد من سفراء الدول المانحة الملتزمة بتقديم مساعدات قد أعلمت المسؤولين اللبنانيين أن قرارات مؤتمر سيدار لهذا الصيف ستكون خاضعة لمواعيد نهائية، وأن على لبنان أن يقوم بتشكيل حكومة متوازنة حتى تبدأ المساعدات التي تم الالتزام بها في المؤتمر بالوصول في الأشهر القادمة. كما أصدر البنك الدولي العديد من التقارير حول خطورة الوضع الاقتصادي في لبنان بينما ينتظر المساعدات للشروع في تزويد لبنان بالمنح والقروض.

لكن عضو حزب الله في البرلمان، محمد رعد، الذي لم تردعه هذه التحذيرات، أصر يوم 18/6/2018 على أن "حزب الله أصبح الآن في وضع أفضل من أي وقت وقت مضى"، في أعقاب الانتخابات البرلمانية، وعلى أن "وضعنا في أفضل أحواله مقارنة بالماضي. لقد أصبحت الأمور أفضل. إننا لسنا تحت الضغوط، ليس في موضوع تحقيق أغلبية دائمة في البرلمان، ولا فيما يتعلق بالقوى التي تستطيع أن تفرض أي قرار على البلد من دون أن تستشيرنا".

فيما يلي تلخيص لبعض الإجراءات التي تشكل اتخاذها ضرورة ملحة -محلياً أو دولياً- لإنقاذ لبنان:

يؤكد هذا المراقب أن من الحاسم -بينما تتم مناقشة هذه المواضيع الصعبة ويتم تطبيق الحلول المأمولة- أن يلعب "الدم الجديد" من الشبان في لبنان الدور الأبرز في قيادة هذا البلد، وأن يحلوا محل أباطرة الحرب الحاليين الذين يريدون البقاء في موضع السيطرة مدى الحياة. ولعل إحدى مآسي "الأباطرة السياسيين مدى الحياة" الذين يديرون لبنان وكأنه شركاتهم الخاصة، هو أن الشباب الأذكياء المخلصين، الذين نشأوا وترعرعوا وهم يشاهدون الفساد مباشرة ويومياً، تم تهميشهم وحرمانهم من لعب أي دور ذي معنى في إنقاذ لبنان. وكما هو الحال في إيران وسورية، فإن هؤلاء الشباب قادرون تماماً ومستعدون لإعادة بناء أوطانهم.

ثمة إجراءات محددة يمكن أن يصر أصدقاء لبنان على اتخاذها لإنقاذ لبنان بالإضافة إلى قطع كل المساعدات على مدى الأشهر الستة المقبلة وتقييم مستقبل لبنان، والتي تشمل إجراء فحص مفصل للممارسات الخاصة بالميزانية في البلد، ولأدائه خلال ربع القرن الماضي، مع تطبيق عقوبات على الانتهاكات والفساد.

ويجب وضع المهام الحكومية وملفات مجلس الوزراء في أيدي موظفين عامين ممن أثبتوا أنهم ليسوا خاضعين لسيطرة قوى أجنبية أو إقليمية.

ويجب المطالبة بإجراء تدقيق محاسبي شهري على دخول الموظفين الحكوميين.

ويجب تحقيق كل المذكور أعلاه قبل أن يتم منح أي مساعدات اقتصادية أو عسكرية إضافية للبنان.

وفي موضوع ملح ذي صلة، تقوم المخدرات بتدمير لبنان. ويجب أن تكف الحكومة عن تزويد -أو السماح بتزويد 12 مخيماً فلسطينياً في لبنان و156 تجمعاً بالعقاقير المخدرة من تجار مخضرمين سياسياً يتمركزون في وادي البقاع.

يجب أن يصر كل المانحين المحتملين على وضع نهاية لدعم لبنان لتجارة الكوكايين محلياً وفي أميركا اللاتنية على "الحدود الثلاثية"، حيث تتقاطع بارغواي مع الأرجنتين والبرازيل.

يجب على حكومة لبنان وقف بيع تجار البقاع اللبناني حبوب الكبتاغون إلى وحدات "داعش" في سورية. والكبتاغون المستند إلى الأمفيتامين هو منبه يجعل المتعاطي مستيقظاً لفترات طويلة من الوقت ويفقده الشعور بالألم. كما أن له خصائص مهلوسة. وكان يسمى عقار "الجهاديين". وقد صادرت القوات المدعومة من الولايات المتحدة نحو 300.000 من هذه الحبوب، والتي تبلغ قيمتها حول 1.4 مليون دولار يوم 31/5/2018. ويقوم تجار المخدرات في سهل البقاع، المتمتعون بغطاء سياسي، ببيع المخدرات لـ"داعش" والجهاديين الآخرين بانتظام لسببين رئيسيين: أن المبيعات تجمع السيولة النقدية التي تمس الحاجة إليها؛ وأنها تنشط الجهاديين وتزودهم بالطاقة لمحاربة القوات المدعومة من الثوار لفترات طويلة من الزمن. ويتم اكتشاف كميات كبيرة من هذه الحبوب في مطار بيروت على أساس شهري تقريبا.

الخلاصة

إذا كان إنقاذ لبنان ممكنا، فإنه سيتطلب ممارسة نوع من الحب القاسي لكبح جماح الفساد الهائل لدى قادته السياسيين، وإعادة بناء الاقتصاد الهش، وممارسة الضغط على الحكومات الخارجية لإنهاء جهودها لاستيعاب الدولة الصغيرة من أجل خدمة أغراضها الخاصة بالهيمنة السياسة، وأن تحذوا القوى الغربية الاستعمارية السابقة حذوها.

يتميز لبنان بأنه ضعيف بشكل خاص على المستوى الإقليمي، لكن هذا هو حال عشرات الدول الأخرى من الـ192 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة في جوارها الخاص أيضاً. ومن المتوقع أن يصل عدد سكان أفريقيا، الواقعة على الجانب الآخر فقط من البحر الأبيض المتوسط، إلى 205 مليار نسمة بحلول العام 2050. وبحلول العام 2100، ستكون أفريقيا موطناً لنصف سكان الكوكب، بينما سيمتلك ما يقدر بربع دول هذا الكوكب أسلحة نووية في ذكل الحين.

إذا كان بالإمكان إنقاذ لبنان، الذي يتمتع بالفرادة في نواح كثيرة، بالحب القاسي من أصدقائه، فإنه ينطوي على إمكانية أن يصبح نموذجاً إقليمياً متميزاً، والذي يمكن تطبيقه على بلدان أخرى في هذه المنطقة وخارجها.

أخيراً، يود هذا المراقب ملاحظة أن لبنان يستحق المحاولة. لكن الوقت ينفد.

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Could “Tough Love” Salvage Lebanon?