هل يستطيع نتنياهو أداء الحركات البهلوانية عندما تلزم؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - (أرشيفية)

تقرير خاص - (الايكونوميست)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
غيرت خدعة سياسية حيكت تحت جنح الليل وجه حكومة إسرائيل، ومن الممكن أن تفعل نفس الشيء بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، وقد تبّث نوعاً من الحياة في عملية السلام التي طال أمد جمودها مع الفلسطينيين.اضافة اعلان
وكانت العقدة السرية للدراما السياسية الغرائبية قد فكت في الساعات الأولى من يوم الثامن من أيار (مايو) الحالي. وكان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد قدم في الصباح السابق مشروع قانون للمجلس الوزاري يقضي بحل البرلمان (الكنيست)، والدعوة لإجراء انتخابات عامة. فبعد ثلاثة أعوام من الاستقرار، كما شرح، كان ائتلافه الحاكم يواجه اضطراباً ففضل أن يكسب تفويضاً جديداً من الأمة. وفي فترة ما بعد ظهر ذلك اليوم، مرر الكنيست حسب الأصول مشروع القانون في قراءته الأولى. وكانت كل الأطراف قد اتفقت على موعد الانتخابات الذي تحدد يوم الرابع من أيلول (سبتمبر) المقبل، وأبدى الأعضاء استعدادهم لوضع اللمسات الأخيرة على التشريع في الصباح التالي، ومن ثم الخوض في الحملة الانتخابية.
 لكن، ومن دون علم أي واحد منهم، كان السيد نتنياهو وشاؤول موفاز، زعيم أكبر حزب معارض، كاديما، يخططان سراً لائتلاف "وحدة وطنية" جديد. وعند الساعة 2.30 من فجر ذلك اليوم، توجها إلى الكنيست الذي كان يغالب أعضاءه النعاس للتوقيع على اتفاقهما السري المكتوم.
وتفتق الفجر عن سيادة حالة ذهول عامة وصيحات غضب من الشخصيات المعارضة، الذين أصبحوا يواجهون الآن عاماً ونصف العام من حكومة غير مطعون في الثقة فيها بقيادة السيد نتنياهو. وفي الأثناء، تم تذكير السيد موفاز، بخشونة، بأنه كان قد تعهد بعدم العمل تحت قيادة نتنياهو "أبداً"، والذي كان قد وصفه في وقت سابق بأنه كاذب. وشرح السيد موفاز برقة أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء بالقول: "إننا نضع تلك الأمور وراء ظهورنا ونتطلع قدما إلى الأمام". وكان كلا الرجلين يحاولان أن لا يخوضا في التفاصيل.
وتجدر الإشارة إلى أنه لو قدر للانتخابات أن تمضي قدما، لكان حزب كاديما تحت قيادة موفاز قد مني بخسارة جسيمة، وفق كل استطلاعات الرأي. وهددت مجموعة جديدة وسطية، ذات عقلية علمانية، يقودها مذيع التلفزيون الشعبي يائير لابيد، بسحب دعمها. وبعد أن استقال من وظيفته النافذة والمؤثرة والمطلة على الشاشة، سينسحب السيد لابيد الآن إلى التحسر والمعاناة على الهوامش، بينما سيكون للسيد موفاز صوت قوي في الحكومة. ويوجد لحزب كاديما الذي يتزعمه السيد موفاز 28 مقعداً في البرلمان، والتي ستضم إلى المقاعد السبعة والعشرين التي يحتفظ فيها تكتل الليكود الذي يتزعمه السيد نتنياهو.
وثمة مكون رئيسي للصفقة بين الرجلين، والتي ستثير حنق الجزء الديني من الائتلاف الحاكم، وهو أنهما تعهدا بأن يضعا حداً للاستثناء الكلي للشباب الحاريديم (المفرطين في التشدد الديني) من الخدمة في الجيش. وفي الأثناء، تقوم أحزاب الحاريديم التي ما فتئت أن تكون حليفا مخلصا للسيد نتنياهو، لإعداد العدة لخوض معركة. وسيتوافر السيدان نتنياهو وموفاز على الأصوات، كما على الدعم الشعبي، لتشريع نظام أكثر نزاهة يتوجب بمقتضاه على الجميع، بمن في ذلك العرب الإسرائيليون، أن يقدم شكلاً ما من الخدمة القومية العسكرية أو المدنية. ولكن، هل ستكون لديهما الشجاعة ليتحديا الحاريديم وهما يدركان أنهما سيحتاجان إليهم ثانية في المرة التالية في ائتلاف ما؟
وحتى يزيدا شجاعتهما، وعد رئيس الوزراء ونائبه الجديد بإصلاح ثان كاسح: "يتعهد الحزبان بتغيير النظام الحالي للحكومة، وبتأسيس نظام يؤمن الاستقرار. ويمكن رئيس الوزراء المنتخب من أن يكمل فترة ولايته". وتتسم هذه اللغة بالغموض، لكن المحتوى واضح: منح الأحزاب الكبيرة المزيد من القوة على حساب الأحزاب الأصغر. وفي الوقت الحالي مثلاً، يحتاج أي حزب إلى 2 % فقط من إجمالي الأصوات للحصول على مقعد في البرلمان، ولذلك تجد الحكومات الإسرائيلية عاجزة، باستمرار، بسبب الحاجة إلى الإبقاء على الأحزاب الصغيرة حاضرة في الائتلافات المتداعية.
وفي الأثناء، ستعمد كل الأحزاب الصغيرة، وليست أحزاب الحاريديم وحسب، إلى معارضة هذا الاتجاه بقوة. لكنه إذا استطاع الليكود وكاديما الدفع قدما بهذين الإصلاحين، فإنهما سيتمكنان من تغيير السياسة الإسرائيلية، وكذلك المجتمع الإسرائيلي، بطريقة جذرية. ومن شأن ذلك أن يفيد دافعي الضرائب الذين يمولون راهناً الدفعات الخاصة للتعويض عن عدم استخدام رجال الحاريديم المنتشر على نطاق واسع، على مدى الحياة.
ولعل الأكثر قابلية للجدل هو ما إذا كانت السياسة الخارجية الإسرائيلية سوف تتغير. فقد ظل السيد موفاز، رئيس الأركان السابق، من بين العديدين من العسكريين ورجال الاستخبارات الإسرائيليين الذين يحثون على ممارسة ضبط النفس إزاء إيران في ما يتعلق بطموحاتها النووية. وقد يتصدى للنزعة الحربية للسيد نتنياهو ووزير دفاعه، إيهود باراك، حول تلك النقطة. لكن السيد موفاز لم يستبعد الذهاب إلى العمل العسكري إذا فشلت الدبلوماسية والعقوبات في حل المسألة الإيرانية. وباستطاعته أن يعمد إلى دعم قرار بالهجوم في نهاية المطاف.
 وفيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، ثمة أرجحية غائمة بأن يدفع السيد نتنياهو حكومته نحو إجراء مفاوضات حقيقية. وينتقد السيد موفاز افتقار السيد نتنياهو إلى الحماس على هذه الجبهة. وفي العام 2009 اقترح السيد موفاز الإقامة الفورية لدولة فلسطينية على حوالي 60 % من أراضي الضفة الغربية، على أن تتبع ذلك مفاوضات على البقية من أراضي الضفة. وهو يقبل، على عكس نتنياهو الذي يرفض، الحدود لما قبل الحرب في العام 1967 كأساس لسلام نهائي يتم التفاوض عليه، سوية مع مقايضات في الأراضي لخدمة تكتلات الاستيطان الإسرائيلي الضخمة في الضفة الغربية.
وحتى لو لم يتغير أي شيء من حيث الجوهر في الحال، فإن الخطاب السياسي سيتغير. فهناك أناس في كاديما ملتزمون على نحو معمق بفكرة حل الدولتين. وكان الحزب قد جاء إلى الوجود لدعم الانسحاب الأحادي الجانب من الأراضي الفلسطينية، والمنافحة عنه في ضوء غياب المفاوضات الثنائية. ويقترح السيد موفاز الانسحاب والمفاوضات على حد سواء. ولن يكون بمقدور السيد نتنياهو القول ما إذا كان في موقف حرج بسبب شركائه في الائتلاف الديني اليميني. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه لن يكون أيضاً مسكوناً بهاجس والده المتشدد أيديولوجياً، بن زيون، الذي مات في الشهر الماضي عن 102 عام.
 وعلى الرغم من ذلك، يظل المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية قوة مفعمة بالقوة في داخل حزب الليكود الذي يتزعمه السيد نتنياهو. كما أنه لم يتضح على الإطلاق ما إذا كان السيد نتنياهو رجلاً أيديولوجياً سيقاوم حتى النهاية أي تغيير في السياسة، أم أنه شعبوي فطن ذكي يشعر بالسرور للقيام بالشقلبات البهلوانية عندما يناسبه الدور.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Can Binyamin Netanyahu do a somersault?