هل يصبح غياب المنظمة معتادا ؟

إنّ اتجاه الأحداث يشير إلى أنّ كثيرين في المنطقة والعالم قد يعتادون غياب القيادة من رام الله، وحضور "حماس"

رفضت "حماس" قبل أسابيع حضور الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة, ورفضت قبل أيام دعوات للقاء الرئيس محمود عباس في رام الله، وأول من أمس رفض الرئيس عباس حضور الاجتماع الذي انعقد في قطر باسم "قمة غزة"، بينما حضرت قيادة "حماس" اللقاء.

اضافة اعلان

وحتى تكتمل أركان المشهد، يجب أن نتنبه إلى أنّ قيادة الشعب الفلسطيني الرسمية المعترف بها باعتبارها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لم "تمتنع" عن حضور اجتماع قطر وحسب، بل عجزت أو امتنعت حتى عن عقد اجتماعات الهيئات القيادية الفلسطينية، فالمجلس الوطني الفلسطيني، والمؤتمر العام لحركة فتح، لم يجتمعا فعليّا حتى في سياق أحداث من حجم غياب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ومن بعده انقسام غزة، والآن حرب غزة.

إنّ تبرير الغياب عن اجتماع أو لقاء بطبيعة ما سيناقش به أمر لم يكن يوما منطقيّا، فلا يمكن لحركة "حماس"  تبرير الغياب عنّ لقاءات القاهرة بأنّ هدفها تمرير التمديد للرئيس عباس. لأنّه كان بإمكان "حماس" أن تذهب للقاء وترفض ذلك معلنة مبرراتها، وكان بإمكانها طرح قضية المعتقلين في سجون رام الله وأن ترد حول قضية المعتقلين في سجونها في غزة.

أمّا ما يحيّر في أمر امتناع القيادة الفلسطينية عن حضور اجتماع "قطر" فهو أنّ هذه القيادة لا تمتنع عن حضور أي اجتماع مع الطرف الإسرائيلي، أو اجتماعات تدعو لها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى. لقد كان بإمكان هذه القيادة الذهاب للاجتماع، مع اشتراط عدم حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وأن ترفض حضور حركة "حماس" إن رأت ذلك غير مناسب. وما يحيّر أيضا أنّ القيادة الفلسطينية بحاجة لأي دعم مهما كان مصدره، فإذا كان هناك مراعاة لدول عربية، أدت لهذا الغياب، فإنّ الرئيس الفلسطيني بحاجة أن يقدم لشعبه البديل عن الغياب.

لقد أخرجت رئاسة منظمة التحرير فعل المقاومة بأنواعه من الميدان، فهي أخرجت المقاومة المسلحة من الحسابات، ولا يوجد أي حركات مقاومة شعبية أو ميدانية سلمية تذكر، ترعاها هذه القيادة، ولم تحقق العملية السياسية أي إنجاز، حتى على صعيد إزالة الحواجز العسكرية، وعلى صعيد السماح للرئيس الفلسطيني نفسه التحرك داخل الضفة الغربية ذاتها أو الخروج والدخول منها، من دون تصريح مسبق.

وإذا ما رأينا كيف تتعامل إسرائيل مع حركة "حماس" نجد أنّ الأخيرة حصلت على ما لم تحصل عليه قيادة رام الله، فرغم الخراب والتدمير الذي تعانيه "غزة"، ورغم الحرب، لا يجوز تناسي أنّ "حماس" فرضت أمرين عجزت القيادة الفلسطينية عن الحصول عليهما. أولهما، عندما وافقت إسرائيل قبل سبعة أشهر على هدنة مع غزة بقيادة "حماس" في غزة، ورفضت هدنة مشابهة مع الضفة الغربية تحت رئاسة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. والثاني، اتجاه إسرائيل الآن للموافقة على هدنة جديدة في غزة، تقبل ضمنيا بقاء القطاع تحت حكم "حماس" وتفتح بابا لتكريس سلطة "حماس" هناك، وهي سلطة أصبحت تحصل على مقاعد في اجتماعات دولية تحضرها غالبية الدول العربية، بينما تنهال الشروط على السلطة في الضفة الغربية.

هناك أسئلة وتحفظات توضع أمام "حماس" في المرحلة المقبلة، أولها: (ماذا بعد المعبر؟)، بمعنى أنّه على فرض أنّ معابر غزة فتحت بالقدر الذي يسمح باستعادة حد أدنى من الحياة الطبيعية في غزة، فماذا بالنسبة للمشروع الاستراتيجي للمقاومة كحركة تحرير؟  وهل ندخل في لعبة (غزة أولا) بشكل جديد. وما هي آليات المقاومة وأدواتها وأهدافها في المراحل المقبلة؟ وماذا بالنسبة لوحدة الصف الفلسطيني ووحدة الضفة مع القطاع؟ 

على أنّ جميع هذه الأسئلة لا تبدو ملحة وعاجلة ومحيرة بالقدر الذي تبدو عليه الأسئلة الموجهة إلى قيادة المنظمة، ومن هذه الأسئلة، ما الذي تحقق من الرهان التام على المفاوضات والاتصالات؟ وما هي الخطة البديلة؟ ومتى ستجتمع قيادة فتح وكوادرها مع بعضهم ومع باقي القوى الفلسطينية؟ ومتى وكيف سيتم تعديل هيكلية منظمة التحرير لاستيعاب القوى الفلسطينية الرئيسية الحقيقية بجانب "فتح" وهي الآن حماس، والجهاد الإسلامي، والمبادرة الفلسطينية برئاسة مصطفى البرغوثي، وجميعها خارج المنظمة؟

إنّ "حماس" و"فتح" مطالبتان بالإجابة عن أسئلة كثيرة في المرحلة المقبلة. إلا أنّ اتجاه الأحداث يشير إلى أنّ كثيرين في المنطقة والعالم قد يعتادون غياب القيادة من رام الله، وحضور "حماس"، إذ تتضاءل تدريجيا الأسباب التي تبرر أو تفرض حضور قيادة رام الله في المحافل الدولية الخاصة بالفلسطينيين على اعتبار أن قرارات "المقاومة والتهدئة"، وقرارات السلم والحرب، لم تعد موجودة في رام الله.

[email protected]