هل يصبح فيروس كورونا أضعف حقاً؟

ماكس نيسين* - (بلومبيرغ) 4/6/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

هناك العديد من الأسباب التي تفسر السبب في أن فيروس كورونا لم يعد بالسوء نفسه الذي كان عليه في السابق في بعض الأماكن. لكن هناك فرقاً هائلاً بين هدوء ينجُم عن التحول المستمر في الفيروس وآخر ناجماً عن ديناميات أخرى. ويعني الأول أن هناك فرصة حقيقية في تلاشي الفيروس كتهديد رئيسي بمرور الوقت. ويعني السيناريو الثاني أن الفيروس يمكن أن يعود بطريقة أكثر فتكاً ومع نية الانتقام إذا قامت الدول والأفراد بتخفيض منسوب حذرهم. وفي الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك أدلة كافية تدعم فكرة التحول… والطريق الأكثر حكمة هو افتراض أن الفيروس الذي يسبب "كوفيد-19" ما يزال مميتاً وخطيراً مثلما كان حاله كل الوقت.

  • * *
    من الطبيعي أن يريد الناس سماع بعض الأخبار الجيدة في الأوقات العصيبة. لكن هناك مخاطر محتملة تترتب على الإفراط في قراءة الأشياء وتأويلها.
    في إيطاليا، ثمة جدل عام متواصل، والذي يدور الآن حول حدوث تحوُّل مشجع محتمل نحو نسخة أضعف من "كوفيد-19". وقد أيد طبيب وعالم فيروسات بارز هذه الفكرة لأن عدد الوفيات، والحالات، والمرضى المصابين بأمراض خطيرة، والحِمل الفيروسي التي تُشاهد في المسحات آخذة في الانخفاض أو الثبات، حتى مع إعادة فتح البلد. وقد اقترح عالم الفيروسات، أرنالدو كاروسو، أن الفيروس يمكن أن يختفي حتى من دون لقاح، وأن الحاجة إلى التباعد الاجتماعي وأقنعة الوجه ربما تنتهي في القريب.
    اعترف كاروسو بإمكانية وجود تفسيرات أخرى وبإمكانية عودة مستقبلية للفيروس في مقابلة أجريت معه؛ ولكن، حتى مع ذلك تحظى فكرة أن الفيروس يضعُف بشعبية مفهومة، ويُحتمَل كثيراً أن تظهر في مجموعة متنوعة من الدول الأخرى التي تجاوزت الأسوأ في خبرة تفشي الوباء لديها. وهناك عبء إثبات كبير يترتب على تقديم مثل هذا الادعاء، ناهيك عن استخدامه كأساس لاتخاذ قرارات الصحة العامة. ومن المؤكد تماماً أنه لم يتم الوفاء بهذا العبء، ويمكن أن تؤدي أطروحة حدوث طفرة في تركيبة الفيروس إلى خيارات سيئة إذا تم أخذها على محمل الجد.
    تتغير الفيروسات بمرور الوقت، وأحياناً بطرق مهمة. وتكون هذه التحولات المدفوعة بالطفرات هي السبب في حاجتنا إلى لقاحات الانفلونزا كل عام والسبب في اختلاف التفشيات الموسمية. وهناك أيضاً مقايضة تطورية بين مدى الفتك وانتقال العدوى -إن فيروساً يقتل الكثير من المضيفين لا يمكن أن ينتشر- ولذلك يصبح بعض الفيروسات أقل فتكاً.
    يقوم العلماء الذين يعملون على اللقاحات بمحاولة تسريع الطفرة لإنتاج ما تسمى بلقاحات الفيروسات الموهَنة الحية، والتي تحتوي على سلالات تنتج مناعة ضد الفيروس الأصلي -وإنما ليس مرضاً شديداً- في الكائن المتلقي. والسؤال هو ما إذا كان الفيروس الذي يسبب مرض "كوفيد-19"، والمعروف باسم "سارس-كوف 2"، SARS-CoV2، قد يقوم بهذه الرحلة من تلقاء نفسه.
    ثمة فرق هائل بين هدوء ينجُم عن التحول المستمر في الفيروس وهدوء ناجم عن ديناميات أخرى. ويعني الأول أن هناك فرصة حقيقية في تلاشي الفيروس كتهديد رئيسي بمرور الوقت. ويعني السيناريو الثاني أن الفيروس يمكن أن يعود بطريقة أكثر فتكاً ومع نية الانتقام إذا قامت الدول والأفراد بتخفيض منسوب حذرهم. وفي الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك أدلة كافية تدعم فكرة التحول.
    تمتاز الفيروسات الكورونية بأنها بطيئة الطفرات والتحور مقارنة بالأنفلونزا، ولا يبدو أن "كوفيد-19" مختلف. ولا تؤدي معظم الطفرات إلى إحداث أي تغيير يُعتد به في كيفية عمل الفيروس. وقد وجدت الدراسات المبكرة لجينومات "سارس-كوف 2" تغيرات جينية تحدث للفيروس، لكنها لم تجد نسلاً يتوافق مع تعريف السلالة الجديدة، وهي فرع من الفيروس يختلف وظيفياً عن الفروع الأخرى.
    فحصت دراسة أولية لأكثر من 15.000 جينوم، والتي أجراها معهد علم الوراثة بجامعة كلية لندن، الظهور المحتمل لسلالة أكثر قابلية للانتقال. ويبدو أن الطفرات التي وجدتها كانت إما حيادية أو ضارة قليلاً بانتشار "كوفيد" ونسخة أقل عدوى وأقل احتمالاً للبقاء. ولم ينظر الباحثون في إمكانية حدوث طفرة تجعل الفيروس أقل فتكاً، لكنهم قالوا أن معظم التغييرات الجينية المتكررة التي رأوها حتى الآن لا تبدو وكأنها تكيفات تطورية.
    وحتى بالنسبة للانفلونزا الوبائية التي يسببها فيروس مهيأ للتغير السريع أكثر بكثير من الفيروس الذي يسبب "كوفيد-19"، فإن بضعة أشهر تعد جدولاً زمنياً قصيراً لحدوث تحول وظيفي واسع النطاق. ولا توجد حالة تطورية واضحة لفيروس مثل "سارس-كوف 2"، الذي تمكن مُسبقاً من إصابة أكثر من 6 ملايين شخص، وغالباً ما يسبب أعراضاً خفيفة، بحيث يصبح أكثر اعتدالاً في زمن سريع. وإذا كان ثمة شيء، فهو أن الفيروس أكثر احتمالاً لأن يكون مستقراً من الناحية الوراثية.
    من دون توفر الكثير من البيانات والمعلومات حول المجموعات السكانية المحددة التي تجري مقارنتها فيما يتعلق بكل من المسحات والتجارب السريرية، فإن الأدلة التي يقدمها معجبو فكرة الطفرات ما تزال قَولية فحسب، وربما تكون متأثرة بتحيز في الاختيار. وقد يكون النشاط الفيروسي الأقل في التجارب المعملية التي تُجرى في المختبرات كما وصفه كاروسو أكثر إقناعاً، لكنه يصف هذا بأنه نتيجة مبكرة جداً ولا يبدو أنه تم تأكيدها أو ربطها بتفسير بيولوجي.
    إذا لم يكن الفيروس يشهد تحولاً إلى شكل أخف، فما الذي يمكن أن يفسر أيضًا السبب في أنه لا يبدو سيئاً في بعض الأماكن؟ الحقيقة هي أن العديد من العوامل الأخرى يمكن أن تكون قيد العمل. يُحتمل كثيراً أن الفيروس يبدو أضعف في المناطق التي على الجانب الآخر من الذروة لأن الاختبارات والمراقبة الموسعة تلتقط الأشخاص في وقت مبكر من مسار مرضهم، على عكس ما كان يحدث في الأشهر الماضية عندما تم اختبار معظمهم فقط إذا مرضوا بما يكفي للذهاب إلى مستشفى مكتظ. كما أصبح الأطباء العاملون في الميدان أيضاً يعرفون المزيد عن كيفية علاج الأشخاص، ولم يعودوا مرهقين بفيضان الإصابات كما كان حالهم في السابق.
    ومن المحتمل أن يكون جزء مهم من الأشخاص الأكثر ضعفاً بسبب ضعف جهاز المناعة أو عوامل أخرى قد أصيبوا بالمرض مسبقاً، خاصة في المناطق المتضررة بشدة في إيطاليا. أما أولئك الذين لم يصابوا، فقد أصبحوا محميين بشكل أفضل من خلال تدابير الصحة العامة، وانخفاض مستوى الانتشار المجتمعي، وتأثيرات موسمية مؤقتة محتملة، ودرجة ما على الأقل من الحصانة المكتسبة لدى السكان.
    بالنظر إلى كل ذلك، فإن الطريق الأكثر حكمة لفترة طويلة مقبلة هو التعامل مع "كوفيد-19" باعتباره التهديد القاتل الذي كانه في إيطاليا قبل أسابيع قليلة، والذي يستمر في أن يكون موجوداً حول العالم.
اضافة اعلان

*كاتب عمود في "بلومبيرغ"، والذي يغطي شؤون التكنولوجيا الحيوية والأدوية والرعاية الصحية. وقد كتب سابقاً عن الإدارة واستراتيجية الشركات لكل من مجلتي "كوارتز" و"بيزنس إنسايدر".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Is the Coronavirus Really Getting Weaker?