هل يصلح الإعلام ما خربته السياسة؟!

هل يمكن للإعلام أن يصلح ما خربته السياسة؟! تساؤل تجده مطروحا أمامك، هكذا ببساطة، وأنت تقرأ خبرا من نوع "المضحك المبكي"، يتحدث عن توجه جامعة الدول العربية (هل تذكرونها؟!) لوضع "إجراءات وخطوات، فنية وتشريعية وقانونية، لوقف بث القنوات الفضائية التي تسيء لأي دولة عربية، من أعضاء الجامعة عبر قمر عرب سات"، حيث عقد في القاهرة أمس ولهذه الغاية اجتماع لفريق عمل، استنادا إلى قرار سابق لوزراء الإعلام العرب.اضافة اعلان
لم يعد أحد يختلف اليوم على أن الإعلام العربي، وعلى رأسه الإعلام الرسمي، وشبه الرسمي العابر للحدود والذي تمثله أكبر الفضائيات العربية وأكثرها انتشارا، بات أحد عناوين الأزمة العربية الداخلية، وعنصرا فاعلا في تكريس حالة الاستقطاب والانقسام السياسي والمذهبي والأيديولوجي، سواء على مستوى التيارات السياسية وامتداداتها الشعبية في أغلب الساحات العربية، أم على مستوى المكونات الشعبية في القطر الواحد. بات الخلط الممنهج وتمرير الرسائل والمواقف السياسية لهذه الجهة أو تلك وجبات إعلامية يومية يقصف بها المشاهد العربي على مدار الساعة، من دون مراعاة لأبسط شروط المهنية.
لن تستغرب إن رأيت خبر اعتصام عمال شركة طلبا لرفع الحد الأدنى للأجور في منطقة نائية بهذه الدولة العربية أو تلك، خبرا رئيسيا، أو شبه رئيسي، على نشرة أخبار أكبر الفضائيات العربية، حيث يوضع في سياق الصراع السياسي الأكبر مع تلك الدولة، فيما قد يغيب خبر أهم، يمتلك كل مقومات النشر والإبراز، عن ذات النشرة الإخبارية، أو يكتفى بتهميشه عبر خبر بسيط عابر أو عبر الشريط الإخباري.
كل ذلك صحيح، بل وثمة ما هو أكثر وأخطر يمكن رصده، في غير هذه العجالة، من توظيف الإعلام والفضائيات العربية، سلاحا رئيسيا، في "حرب الوجود" بين المحاور الإقليمية والصراع الطاحن على الأرض، في غير ساحة عربية. إلا أن غير الصحيح، بل ومن المضلل، أن تهرب الحكومات والأنظمة العربية، خاصة تلك التي تنغمس في توظيف الإعلام والإمكانيات الصحفية الهائلة، إلى ميدان الإعلام والفضائيات لتحميلها المسؤولية عن هذا الخراب الذي يلف معظم الساحات العربية، وتحت لافتة "الإساءة لدولة عربية أخرى"!
لم يكن الإعلام إلا سلاحا، من ضمن أسلحة عديدة، والكثير منها قذرة، في حرب السياسيين العرب، وصراع الحكومات والمحاور، لكن فعالية هذا السلاح (الإعلام)، كانت كبيرة في هذه المرحلة نظرا للتقدم التقني والمعلوماتي الهائل، ولاتساع شريحة الجمهور العربي الذي بات قادرا على الوصول إلى ما تبثه الفضائيات ووسائل الإعلام، مع تراجع قدرة الحكومات على ضبط وتحديد ما يتدفق من معلومات وصور ورسائل في هذا الفضاء الحر.
أسلحة الحرب الدائرة على الإنسان العربي ومستقبله ومستقبل أوطانه، لا تقف عند الإعلام والتوظيف القذر لإمكاناته، بل تعداه لاستخدام المؤسسة الدينية والمؤسسة الثقافية، وحتى لاستخدام سلاح الإرهاب والتجييش الطائفي والمذهبي، وذلك بعد أن زجّ بكل الإمكانيات المالية والسياسية، وحتى العسكرية أينما كان ذلك ممكنا، في هذا الصراع.
المضحك أكثر، ليس تسطير وزراء الإعلام العرب، الذين لا يمكن جمعهم حاليا على موقف سياسي واحد، لمثل هذا القرار/ التوصية بوقف بث أي فضائية عربية تسيء لدولة عربية، بل المضحك بحق هو إن اعتقد هؤلاء الوزراء أن إطلاق مثل هذه التوصية في الفضاء العربي المشتعل يمكن أن يغطّي على بشاعة الجرائم التي يرتكبها السياسيون وحكوماتهم بحق الشعوب العربية المنكوبة!