هل يعود بنا البخيت إلى زمن عبيدات؟

تراجعت مكانة المركز الوطني لحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة. فمنذ الإطاحة برئيسه الأول ومؤسسه، رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، صار المركز مؤسسة تابعة؛ تتدخل الجهات الرسمية والأمنية في عمله. وأصبحت تقاريره السنوية باهتة، وتصاغ بلغة توفيقية تفتقر للانحياز المطلوب لحقوق الإنسان. وفي المناسبات التي تتطلب اتخاذ مواقف صريحة وجريئة في مواجهة انتهاكات الحقوق الأساسية للمواطنين، تخلى المركز عن دوره إلا في مرات نادرة.اضافة اعلان
أخيرا، بدا المركز الوطني وقد استعاد بريقه. البيان الصادر عنه منذ يومين حول موقوفي الحراك، أعاد إلى الأذهان صورة المؤسسة الوطنية التي افتقدناها لسنوات؛ مؤسسة منحازة بشكل جذري لحرية التعبير التي كفلها الدستور، ومنسجمة مع توجه الدولة المعلن في مناهضة التعذيب، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
الصحوة المفاجئة للمركز الوطني لها، كما يبدو، علاقة مباشرة بالتغيير الذي طرأ على قيادته مؤخرا، وتعيين شخصية وطنية وأكاديمية رفيعة على رأسه، بمكانة المؤرخ الدكتور محمد عدنان البخيت.
يعرف الكثيرون الدكتور البخيت كعالم في التاريخ، وصاحب مدرسة في إدارة مؤسسات التعليم العالي. لكنه قبل هذا وذاك، رجل قيم ومبادئ؛ حاد وقاطع لا يجامل في قول الحق مهما كانت الظروف، يفيض نزاهة واستقلالية فوق علمه وخبرته العريقة.
لم يلتفت بعضنا إلى قيمة القرار بتعيينه رئيسا لمجلس أمناء المركز؛ فقد بلغت الخيبة حدا دفع الأغلبية إلى الاعتقاد أن عودة المركز إلى سابق عهده شيء مستحيل. لكنّ بيانا واحدا كفيل بإحياء الأمل بقدرة المركز على النهوض من جديد كمؤسسة وطنية مستقلة، همها الأول والأساس الدفاع عن حقوق الإنسان، والانحياز للدستور، بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية.
المؤسف حقا أن المركز كان يراعي هذه الاعتبارات على حساب مهمته الرئيسة التي من أجلها جرى تأسيسه، وهي الدفاع عن حقوق الإنسان، وصون الحريات العامة للمواطنين.
كان صمت المركز عن التجاوزات التي رافقت الانتخابات النيابية العام 2010 مخزيا، ولا يقارن بموقفه الشجاع أيام أحمد عبيدات في كشف التزوير الفاضح للانتخابات النيابية والبلدية العام 2007. كما أن تردده في الدفاع عن معتقلي الحراك في السنتين الماضيتين، وانحيازه للرواية الرسمية، شكلا نقطة سوداء في تاريخ المركز.
الخاسر في ذلك كله الدولة؛ التي بنت مؤسسة وطنية ذات صدقية، ثم حطمتها بيديها، فقط من أجل إرضاء حفنة من المسؤولين غامروا بمصالح البلاد لحساب مصالحهم الشخصية.
شيخ المؤرخين محمد عدنان البخيت يملك من المكانة والقدرة والخبرة ما يؤهله لوصل ما انقطع، واستعادة مؤسسة وطنية جرى اختطافها في وضح النهار وإلحاقها برئاسة الوزراء. لا نفتري أو ندعي في قول ذلك؛ فقد مارس رؤساء حكومات أبشع الضغوط على بعض رؤساء مجلس أمناء المركز لإرغامهم على إصدار تقارير وتوصيات، في مناسبات عديدة، تخدم سياسات حكوماتهم. ولا أظنهم ينكرون تلك الوقائع.
يتعين على القوى الاجتماعية والسياسية، وكل المدافعين عن حقوق الإنسان في الأردن، أن يساندوا البخيت في مهمته لاستعادة المركز الوطني، وان لا يسمحوا لتجربته أن تلقى المصير الذي انتهت اليه حقبة عبيدات؛ الزمن تغير، نعم، لكننا هذه المرة نريد للمركز الوطني أن يعود إلى الوراء، إلى زمنه الأول في عهد عبيدات؛ مؤسسة حرة ومستقلة، محصنة بالدعم الملكي، وملتزمة بالدفاع عن حقوق الناس.

[email protected]