هل يقود رؤساء الجامعات الثورة؟

تحولت حلقة نقاشية حول "الإدارة والحاكمية في التعليم العالي"، إلى ما يشبه المحاكمة لسياسات التعليم العالي في الأردن، ولدور وزارة التعليم العالي. مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية نظم الحلقة، وأدارها رئيس الجامعة الدكتور خليف الطراونة. قدم رئيس المركز، الدكتور موسى شتيوي، عرضا مكثفا وعميقا لواقع التعليم العالي؛ إنجازاته، وتحدياته، والتصورات الكفيلة ببناء حاكمية تضمن تطوير القطاع. لن "أحرق" جهود المركز في هذا المقال، فهو يعكف على إعداد "ورقة سياسات" لأصحاب القرار والرأي العام أيضا، ستصدر في غضون أسبوع.اضافة اعلان
لكن ما يلفت النظر في مداخلات نخبة من الأكاديميين الذين شاركوا في الحلقة النقاشية، هو أنها اتسمت بالجرأة والمرارة في الوقت ذاته؛ الجرأة في تشخيص الخلل، والمرارة من عدم توفر الإرادة الكافية لمعالجة المشكلات، رغم العدد الكبير من الاستراتيجيات والندوات والتوصيات التي تراكمت في أدراج الحكومة.
يعتقد معظم المشاركين في النقاش أن مشاكل التعليم العالي في الأردن نشأت مع ولادة أول وزارة للتعليم العالي العام 1975، وكل ما حصل من تدهور بعد ذلك ناجم عن "تغول" الوزارة على الجامعات الحكومية، والتعدي على استقلاليتها المالية والإدارية والأكاديمية. روى رئيس الوزراء الأسبق، والأكاديمي الدكتور عدنان بدران للحضور كيف كانت الجامعات تحصل على التمويل المباشر من الشعب الأردني؛ تتولى وزارة المالية جمع الضريبة الخاصة بالجامعات، ثم يجتمع رؤساء الجامعات، كما أشار لذلك المفكر الأستاذ علي المحافظة في الحلقة، لتوزيع الأموال على الجامعات ضمن معايير متفق عليها.
أجمع الحضور على ضرورة إلغاء وزارة التعليم العالي، وإعادة النظر في تشكيلة ومهام مجلس التعليم العالي ليقتصر دوره على وضع السياسات والاستراتيجيات، على أن تتولى مجالس الأمناء في الجامعات الصلاحيات؛ تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم، أسس القبول وأعداد المقبولين، وتدبير الموارد المالية ومتابعة الأداء والجودة. وتُترك لهيئة الاعتماد مهمة ضبط جودة التعليم.
ثمة حاجة لاستعادة الروح التنافسية بين الجامعات، يقول الدكتور بدران. ويضيف بأن القبول وفق القوائم الاستثنائية "عار" على التعليم العالي في الأردن.
رئيس جامعة اليرموك الدكتور عبدالله الموسى، اشتكى من تغول وزارة التعليم العالي على الجامعات. وقال إنها في بعض الأحيان تتجاوز في قراراتها الصلاحيات الممنوحة لها في القانون.
الرئيس السابق لجامعة مؤتة عبدالرحمن العطيات، كان أكثر صراحة عندما قال إن القرارات الخاصة بالجامعات تأتي من "الأجهزة". وقال بالحرف الواحد: "شاويش يعرف في التعليم العالي أكثر من رئيس الجامعة". واقترح سلسلة من الأفكار التي تشكل مدخلا لحل مشكلات التعليم العالي.
الدكتور علي المحافظة الذي أكد اتفاقه مع الحضور، لم يجد ما يمكن فعله سوى دعوة المشاركين لإعداد رسالة بالحلول المقترحة، ورفعها لجلالة الملك، بعدما تبين أن الحكومات ووزارة التعليم العالي على وجه الخصوص، جزء من المشكلة وليس الحل.
رئيس هيئة الاعتماد الدكتور بشير الزعبي، والدكتور سلامة طناش والدكتورة هالة الخيمي من الجامعة الأردنية، عرضوا حزمة من الاقتراحات الوجيهة. الزعبي يعتقد أن استقلالية الجامعات غير ممكنة ما دامت تتلقى دعما من الحكومة؛ والخيمي ترى البداية في تحقيق الحاكمية داخل الجامعات، وإن كانت تشارك المتحدثين في ملاحظاتهم النقدية بحق الوزارة ودورها. أما الدكتور طناش، فقد قدم تصورا مكتوبا يشرح فيه فهمه للحاكمية في الجامعات، وسبل تحقيقها.
تشعب الحديث في نهاية اللقاء ليطال قرارات استحداث كليات وتخصصات في بعض الجامعات بلا مبررات منطقية، حسب رأي المشاركين. وقد أعجبني وصف الدكتور خليف الطراونة لهذا التوجه بأنه مجرد "إقطاعيات تعليمية" يفرضها أصحاب نفوذ.
اللقاء انتهى بدعوة من أحد المشاركين لإنشاء تكتل لرؤساء الجامعات في مواجهة سطوة مجلس التعليم العالي. فهل يجرؤ رؤساء الجامعات على قيادة ثورة ضد وزارة التعليم العالي، ترسم خط البداية لتصحيح مسار التعليم العالي، أم يكتفون بإعداد استراتيجية تنتهي في الأدراج؟

[email protected]