هل يكون مصير الصحافة شبيهاً بصيد الحيتان؟

ديفيد بروكس وغيل كولينز - (نيويورك تايمز) 27/2/2013
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ديفيد بروكس: أتمشى بضع مرات في الأسبوع بجوار كلية الدراما في جامعة ييل. وهي تجربة غريبة لأن حلمي خلال فترة الدراسة كان أن أذهب إلى هناك وأصبح كاتباً مسرحياً، خليطاً بين كليفورد أوديست وجورج كاوفمان. وعندما جاءت الثورة الاشتراكية، أردت أن أكون الشخص المتشدد الذي يكتب دعماً لها بطريقة لاذعة. ثم تخليت عن ذلك الحلم وقررت أن أصبح هيربرت كرولي، المحرر القديم لصحيفة "نيوريبابلك" أو جون ريد، الراديكالي الذي ارتاد جامعة هارفارد ثم خاض علاقة حب مع دايان كيتون (على الأقل في فيلم "الحمر").اضافة اعلان
غيل كولينز: هربرت كرولي- واو. ديفيد، لطالما أعجبت دائما بحقيقة إنفاقك فترة شبابك وأنت تتخيل أن تكون أشخاصاً لم أسمع أنا بهم حتى بلغت الثلاثين.
ديفيد: هل كانت لديك أي طموحات في شبابك لتكون واحداً من الشخصيات الثقافية البالية؟
غيل: كنت أعيش في ميلووكي. وكنت أنا وأصدقائي نتخيل فقط مجرد الوجود على الساحل.
وقد اختبرت نزوة قصيرة فقط حين تخيلت نفسي جزءاً من مائدة ألغونكوين المستديرة، لكن ذلك انتهى عندما علمت أن وجود دوروثي باركر حولك في الزمن الحقيقي لا ينطوي على كل ذلك القدر من المرح في واقع الأمر.
ديفيد: إنني أذكر هذا الاتجاه إلى الحنين في عقلي لأنني كنت أفكر كثيراً في التكنولوجيا وعقولنا. عندما كنت مراسلاً في شيكاغو في أوائل الثمانينيات، كنّا ما نزال نستخدم الآلات الكاتبة.
غيل: أتذكر فعلاً عندما حصلنا على معالجات النصوص، وتمتم الرجال القدماء بأنه لا يمكنك أن تقوم بطباعة قصة على لوحة مفاتيح جهاز كمبيوتر.
ديفيد: ثم قبل حوالي خمس سنوات من الآن، شعرت أننا نحن، جماعة الصحيفة الورقية، انتقلنا إلى عمل صيد الحيتان، محكومين بموت غير لائق فيما الصحف تستسلم لحتمية انتصار عالم التدوين.
غيل: وأنت لا تريد حقاً أن تنال ضربة قاضية من شيء له هذا الاسم. كان ذلك مثل فيلم "حرب النجوم": "تشيوي! السفينة يجري امتصاصها إلى داخل عالم المدوّنات".
ديفيد: الآن يتملكني شعور، أو ربما هو أمل، بأننا قد وصلنا إلى نقطة التوازن. إن عالم التدوين حقيقي، لكنه ليس مهيمناً. اليوتيوب مثير للاهتمام بالنسبة للأشخاص الذين يستمتعون بمشاهدة 54000 نسخة من (الاستكتشات الكوميدية) "هالم شيك". ويبدو أن طلاب الجامعات في هذه الأيام يقضون وقتاً قليلاً على المدونات، ووقتاً غير طويل على التويتر، لكنهم يقضون الكثير من الوقت على فيسبوك، أو على الأقل على تطبيق تبادل الصور "إنستاغرام". انظر وشاهد صحافة الصحف المميزة التي ما تزال قائمة وواقفة على أقدامها، مستفيدة من الهروب العام إلى النوعية.
هل تشاركني رأيي المتفائل بأننا قد وصلنا الى نقطة التوازن التي ضمنت للصحف النجاة؟
غيل: كان لدي دائماً إيمان بأن الصحف القومية العظيمة سوف تنجو وتتمكن من البقاء على قيد الحياة بشكل أو بآخر. ولكن، ولكي أقول الحقيقة، كنت أشعر بقدر أكبر من الكآبة والقتامة إزاء التقارير الإخبارية المحلية. رأيت كيف تحظى حملات المرشحين لمجلس النواب، وحتى لمجلس الشيوخ بتغطية قليلة جداً. وتبدو غرف الصحافة في عواصم الولايات كما لو أنه قد تم إخلاؤها. إنني لا أعرف ما يحدث في السياسة الوطنية عندما يكون نظام التغذية مغطى بشكل رئيسي من قبل المدونين اليساريين واليمينيين.
ديفيد: نقطة جيدة. كنت أقول للصحفيين الشباب أن يبدأوا بكتابة القصص الجريمة عند نقطة ما. والآن أنصحهم بإنتاج صفحات ويب من النوع الذي يقيم الصلة ويعلق على أفضل المواد في الصحافة الوطنية. سوف ينظر المحررون الكبار إلى موقعك الإلكتروني فقط إذا كنت تكتب عنهم بانبهار شديد. وسوف يوظفونك في نهاية المطاف.
غيل: هذه استراتيجية جيدة لشق الطريق في المهنة، كما أظن. بدلاً من تغطية الأخبار، تقوم بتغطية الأشخاص الذين يغطون الأخبار.
ديفيد: سوف تكون الضحية المقبلة لكل هذا التحول التقني هي الجامعات على ما يبدو. إنني أشعر بالتشوش حقاً من هذا التحول. فمن ناحية، هناك دراسات تشير إلى أن التعلم عبر الإنترنت يمكن أن يكون فعالاً بنفس كفاءة التدريس في الفصول الدراسية وفق الطراز القديم. ومن ناحية أخرى، نشر زملاؤنا مؤخراً افتتاحية جيدة لتسليط الضوء على العيوب. إن الناس الذين يبدأون المساقات والدورات على الإنترنت نادراً ما يتمّونها، كما أن أحداً لم يستطع قلب وجهة الفصول الدراسية بطريقة فعالة وشاملة –حيث المحاضرات تكون في البيت، والواجبات المنزلية والمناقشة في الكلية.
يمكن نقض كل شيء بحقيقة أن الناس يتلقون العلم بشكل أفضل من الأشخاص الذين يرونهم ويهتمون لأمرهم. من دون اتصال عاطفي وجهاً لوجه، لن يذهب أي شيء أعمق ولا أبعد من مجرد تقديم الاختبار التالي. في كثير من الأحيان، يكون الطلاب الذين يبلون حسناً أكثر ما يكون هم الذين يرتبون أكبر عدد من المواعيد لزيارة أساتذتهم في المكاتب خلال الساعات المكتبية.
غيل: كما تعرف، لدي الكثير من الكتب على جهاز "آي باد" خاصتي، لكنني كلما أحاول قراءتها، أجد نفسي أتجول خارجاً منها إلى الألعاب. إنني مهتم جداً بتلك الكتب، ولا أستطيع أن أتخيل في الحقيقة ماذا كان سيحدث لي أثناء الدراسة في الجامعة لو أن مساق البيولوجيا كان موضوعاً على الكمبيوتر نفسه مع ألعاب "Words With Friends" و"Doom".
ديفيد: والآن، تبدو حتى الحرب وأنها تُخاض على الإنترنت. إننا نعيش في نظام اقتصادي ينظر فيه إلى العالم فيه باعتباره محادثة، الكثير من الحوار الحر والمفتوح، ويكون الحاصل أفضل ما يكون إذا كنا جميعاً على ثقة ببعضنا بعضا.
اليوم، يعيش أتباع المذهب التجاري السيبراني الجدد مثل الصين وروسيا في نظام ينظرون فيه إلى التجارة الدولية بوصفها منافسة على السلطة، مع ترتيب الهجمات الإلكترونية وبقية تلك الأشياء. إنه نوع من الزحف المتسلل، حتى أنهم ينفقون الكثير من الجهد من أجل جمع البيانات عن شبكة الكهرباء وشبكات المياه لدينا.
يمكن كثيراً أن يتم استبدال الحروب الفيزيائية بالتدريج عن طريق الجزء إلى تعطيل شبكات الكهرباء وصلات الإنترنت لدى الطرف الآخر؟
غيل: تبدو جماعة الأمن هذه قلقة بالتأكيد وبشكل استثنائي من هذا الاحتمال. لست ذكياً بما فيه الكفاية حين يتعلق الأمر بمسائل التكنولوجيا لمعرفة كم سيكون استيعاب حرب القرصنة ممكناً، لكنني رأيت ذلك في السينما. أو على الأقل في عدة مسلسلات تلفزيونية.
ديفيد: رأيي الشخصي هو أن الناس يميلون إلى التقليل من قدر وتيرة التغير التكنولوجي، لكنهم يميلون إلى المبالغة في تقدير وتيرة التغير البشري. بمعنى، إنك إذا عدت إلى الرؤى الماضية للمستقبل كما تم عرضها في المنابر العالمية، على سبيل المثال، لرأيت أنها تفشل عموماً في توقع مدى سرعتنا في اختراع أشياء مثل الاتصالات اللاسلكية، لكنها تتخيل دائماً أن الهياكل الاجتماعية ستتغير بأسرع مما تفعله هذه الهياكل في الحقيقة. إنها تتخيل أناساً يعيشون من دون هياكل الأسر النووية، ومن دون المشاحنات السياسية المختلة وظيفياً. إنها تتصور أن التكنولوجيا سوف تقوم بتبسيط وترشيد المؤسسات الاجتماعية. ذلك لن يحدث أبداً.
غيل: كنت قد أجريت بعض البحوث ذات مرة عن الطريقة التي تصور بها الناس في الماضي العام 2000. وقد مالت تلك التصورات إلى تصوير الأشياء التي كان الناس يرونها وهي تصبح أكثر تطوراً بالفعل -سيارات طائرة، نوافذ تقوم بتنظيف نفسها بنفسها. وكان لدى الناس في أوائل التسعينيات تقدير متفائل منتشر حول مستقبل الأنابيب الهوائية التي تنقل الحاويات والناس بسرعة كبيرة. لكن القليلين جداً استشرفوا نوع القفزات والطفرات المغيّرة للحياة التي اختبرناها.
هنا ينبغي أن أعترف أيضاً بأنني دأبت، عندما وصلت شبكة الإنترنت أول الأمر، على إخبار الناس بأنها مجرد بدعة.
ديفيد: مذهل. كنت أنا قد قلت الشيء نفسه عن "الحيوانات الأليفة الحجرية"، والآن عندما أنظر حولي في كل مكان فأجد هذه الصخور. بل إن هناك تماثيل طويلة قائمة منها حقاً في ولايتي كولورادو ومونتانا.
غيل: رغم كل الأشياء الواضحة، تقوم شبكة الإنترنت بتغيير الطريقة التي نتواصل من خلال الكتابة. عندما جاءت مُعالِجات الكلمات البسيطة، أصبحت الكتابة أكثر هشاشة، وأقل كثافة -فقط بسبب الطريقة التي أصبح بوسعنا أن نقوم بها بالتحرير الفوري على الشاشة. الآن، أصبحت القدرة على هرس وخلط الكلمات والصور والأغاني والتغريدات هي الأمر الذي يهم في الحقيقة. لا أستطيع أن أتخيل ما ستكون عليه الكتابة في العام 2154.
ديفيد: إن قاعدتي العامة هي أن التكنولوجيا تكمل الأشياء ولا تكون بديلاً عنها. إنها تكمل الصحف ولكنها لا تحل محلها. إنها تكمل مبنى الكلية وقاعات المحاضرات الدراسية التقليدية ولا يمكنها الحلول محلها. إنها تكمل أعمال الحرب النظامية، ولكنها لا تحل محلها. وكما أشار آخرون، فإن الراديو لم يذهب إلى الزوال مع قدوم التلفزيون، والتلفزيون لم يختف أبداً، حتى مع قدوم الكمبيوتر المحمول.
وذلك جيد بالنسبة لأولئك منّا الذين ما تزال إحدى قدميهم عالقة في الماضي.
غيل: هذا وأنت ما تزال غير قادر على طباعة قصة على مفاتيح هاتف ذكي!


*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
 Will Journalism Go the Way of Whaling?