هل يمكن أن تخوض تركيا حرباً تقليدية في سورية؟

figuur-i
figuur-i

غوكهان باجيك* - (أحوال تركية) 18/2/2020

في العام 2008، ما كان ليخطر ببال أحد أن تركيا ستدرس القيام بعمل عسكري من أجل تغيير النظام في بلد آخر، أو أنها ستبقي على قواعد عسكرية شبه دائمة في الخارج، أو أن تسيطر على رعايا أجانب في جماعات جهادية إلى جانب جيشها.
لكن تركيا تبنت في الأعوام العشرة الماضية عقيدة الحرب. وقد حول ذلك تركيا إلى بلد مختلف.
في أعقاب مقتل 13 جندياً تركياً في قصف للحكومة السورية في محافظة إدلب في شمال غرب سورية هذا الشهر، دخلت تركيا مرحلة جديدة وطُرح سؤال جديد تماماً: هل يمكن أن تخوض تركيا حرباً تقليدية في سورية؟
بمعنى آخر، هل يمكن أن تنشب حرب الآن بين تركيا وسورية، والتي تلعب فيها روسيا دوراً مهماً؟ الجواب عن هذا السؤال الآن هو أن الحرب تمثل احتمالاً لا بد أن يثير قلقنا.
أولاً، دعونا نطرح بعض النقاط المهمة:
بالقدر الذي يهم روسيا، يرتبط مستقبل سورية بنظام الرئيس بشار الأسد. وقد يكون هناك شخص آخر في موقع الرئيس، لكن الحفاظ على النظام الحالي خط أحمر بالنسبة لروسيا.
ونتيجة لذلك، فإن حل الأزمة السورية بالنسبة لروسيا يتمثل في أن تستعيد الحكومة السورية السيطرة على البلد بأسره. وفي هذه الحالة، يواصل الجيش السوري التقدم بالدعم الروسي من دون النظر إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية.
وإذا واجه الجيش السوري مشكلة، تقوم القوات الروسية بتقديم الدعم الجوي لتمهيد الطريق. وبالنظر إلى التطورات التي حدثت منذ كانون الأول (ديسمبر)، يبدو من الواضح أن روسيا تمضي في شن هجمات من دون تمييز بين تلك الجماعات التي تدعمها تركيا وتلك التي لا تدعمها.
من الواضح أن هدف روسيا هو استعادة سيطرة الحكومة السورية على كل سورية، لكن تركيا قضت الأعوام الخمسة الماضية وهي غير قادرة على استيعاب ذلك.
لم يكن ما حدث في إدلب خلال الأيام السبعة الماضية مفاجئاً تماماً. وتأتي آليات ما يحدث على أرض الواقع نتاجاً للخلافات القائمة وراء الكواليس، في اجتماعات مثل سلسلة المحادثات في أستانا بكازاخستان. وعلى الرغم من أنه من المعروف أن تركيا وروسيا لم تتوصلا إلى توافق في الآراء بشأن العديد من القضايا، إلا أن أنقرة اعتقدت أنها يمكن أن تستمر في طريقها كما لو أن هذه القضايا لم تكن قائمة.
والأكثر من ذلك هو افتراض أن كل شيء سيتم حله في المستقبل القريب أسفر عن قرارات قصيرة النظر. فعلى سبيل المثال، مقارنة ببداية الحرب في سورية، تتلقى كل جماعة متطرفة تعتبر مفيدة الدعم التركي في هذه المرحلة بصورة عشوائية. ولكن، على الرغم من هذا الدعم بالأسلحة والمال والموارد، فإن هذه الجماعات لا تحقق أي نجاح في مواجهة الجيش السوري المدعوم من روسيا.
لقد تجاوزت هذه الاستراتيجية الرهيبة الخسائر في الأرواح والموارد.
أولاً، جرى تدمير سمعة الدولة التركية، التي بنتها على مدار قرن من الزمن لإظهار صورة سلمية ومثيرة للإعجاب.
ثانياً، تضررت سمعة تركيا كدولة قوية. ففي حين تجلس تركيا إلى طاولة المفاوضات مع روسيا، يهاجم الجيش السوري تركيا بدعم روسي. ومن المهم أن نرى أن تصرفات الجيش السوري تُقلل من شأن تركيا.
من الواضح أن الحكومة السورية تتحدى أنقرة. ولا يبدو أن روسيا تهتم، وهي تقف إلى جانبها. ولا يوجد هناك أي طرف متردد بسبب مخاوف من رد فعل تركيا.
وفي الوقت نفسه، ما يزال صناع القرار في تركيا يشعرون بالتفاؤل. وعلى سبيل المثال، قال شريك ائتلاف الرئيس رجب طيب أردوغان، دولت بهجلي: "يجب أن تكون الأمة التركية مستعدة لدخول دمشق إذا أصبح ذلك ضرورياً، إذا لم نجد خيارات أخرى". وفي ذلك الوقت، لم يتمكن الجنود الأتراك المحاصرون بالقوات السورية بالقرب من إدلب من تلقي الدعم الجوي بسبب العائق الروسي.
بالنظر إلى الاشتباكات في إدلب، يتعين على القادة الأتراك أن يفكروا أيضاً في تصرفاتهم. وسيكون من شأن أي نوع من قصر النظر الاستراتيجي أن يسمح لنقاط المراقبة التركية في نهاية المطاف بأن تكون محاطة بقوات العدو؟ فماذا تراقب هذه القوات التركية الآن، في مناطق مراقبة، محاطة بالجيش السوري؟
يثير بيان هيئة الأركان العامة التركية قلقاً بالغاً إذا كان يستخدم هذا الخطاب ليكون ليس أكثر من مجرد حيلة في العلاقات العامة. وقد يكون دليلاً على أن هيئة الأركان العامة تبذل جهوداً مضنية لتوضيح موقفها.
وإذن، هل ستفكر أنقرة بجدية في خوض حرب تقليدية مع سورية؟
أولاً، إذا نظرنا إلى أداء وفكر قادة السياسة الخارجية فيها منذ العام 2011، يمكننا قول إن هذه لن تكون نتيجة مفاجئة. لقد دفعتنا الأزمة في سورية بطبيعة الحال إلى تجاوز نقطة المواجهة المباشرة بين تركيا وسورية. وما يزال العديد من المستشارين والكتاب المؤيدون للحكومة يناقشون استمرار وتوسيع الحرب مع سورية.
النقطة المهمة الثانية هي: ماذا سيحدث إذا واجهت روسيا تركيا بخطوطها الحمراء المؤيدة لدمشق؟
عند بحث هذه المشكلة، من المهم أن يوضع في الاعتبار أن بعض الجماعات الجهادية المدعومة من تركيا كانت تهاجم الأهداف الروسية والسورية من دون تمييز.
وينبغي إعادة النظر في نقطة مهمة: تستند سياسة روسيا الأساسية تجاه سورية إلى استعادة حكومة دمشق السيطرة على البلد بالكامل. وبالتالي، فإن هجوم قوات الحكومة السورية هو هجوم يتسند إلى خطة روسيا المركزية.
يتمثل جذر المشكلة في أن تركيا قررت بوضوح أنها تستطيع حل مشاكلها في سورية، بما في ذلك مشكلتها الكردية، من خلال الحفاظ على وجود عسكري طويل الأجل في البلاد. وتتضمن هذه الاستراتيجية طويلة المدى أيضاً إنشاء إدارات سياسية ومدنية في مناطق معينة.
لهذا السبب، سوف نستمر في رؤية تركيا تهوي تعامل مع الأزمة في سورية وتزيد من تعقيدها، وبما يخلق المزيد من المشاكل على طول الطريق.

اضافة اعلان

*كاتب وأكاديمي وباحث تركي.