هل ينبغي أن تكون عديم الرحمة لكي تصبح ثريا؟

واشنطن - كانت جولي حنا في السابعة من عمرها عندما زُرعت فيها بذور المهنة الثانية غير المعتادة في مجال التمويل والإقراض.
في هذه السن الصغيرة، فرت جولي وأسرتها من الأردن إلى العاصمة اللبنانية بيروت هربا من الحرب التي اندلعت في الشرق الأوسط العام 1973. ثم اضطرت الفتاة لمغادرة لبنان بعدما هددتها أعمال العنف لتنتقل أسرتها إلى الولايات المتحدة.اضافة اعلان
وفي نهاية المطاف، حطت الأسرة رحالها في ولاية آلاباما، حيث ساعدتهم المنظمات الأهلية والجيران على إعادة بناء حياتهم.
وتقول حنا: "لم أدرك إلا في السنوات الأخيرة أنني كنت أرى نظرات الشفقة في أعينهم، بجانب نظرات العطف."
وقد عملت حنا من قبل مديرة تنفيذية في شركات كبرى مثل نيتسكايب. والآن هي رئيسة مجلس إدارة شركة "كيفا" للتكنولوجيا، وهي شركة غير هادفة للربح ومقرها سان فرانسيسكو.
وتتولى الشركة مهمة تسهيل تقديم القروض، لا تتجاوز 25 دولارا في بعض الأحيان، وهي ما يطلق عليه البعض اسم "القروض متناهية الصغر".
وتُقدم هذه القروض إلى الشركات أو أصحاب المشروعات في بقاع شتى من العالم.
وقد لعبت الخبرة والتجربة التي مرت بها هذه السيدة كلاجئة دورا فعالا في اختيارها لوظيفتها الحالية. وتقول حنا: "ما كان يلوح على وجهي والديّ مشهد يشي بأن كرامتيهما تتلاشى تدريجيا، وهو ما خلق في نفسي شعورا بالخزي العميق."
وتأمل حنا في أن تنجح من خلال عملها في شركة "كيفا" في مكافحة نزعات ومشاعر اليأس والعجز التي يمكن أن تسود حياة من شُردوا من ديارهم أو حرموا من الفرص اللائقة بهم.
ولا تقتصر فوائد تقديم قروض صغيرة على مجرد مساعدة رجال الأعمال وأصحاب المشروعات، فبنظر حنا وآخرين، يمكن أن يُشكل ما يُعرف بنظام "التمويل الرحيم" أحد السبل المثلى لمساعدة الدول النامية على إجراء تحولات إيجابية لاقتصاداتها.
وفي هذا السياق، يقول ، نائب مدير شبكة "إنديفور جلوبال" العالمية، وهي مؤسسة غير ربحية مقرها نيويورك، آلان تايلور،: "أعداد متزايدة من الناس باتت تؤمن خلال السنوات الثلاث أو الأربع أو الخمس الأخيرة بجدوى هذا النموذج من نماذج التغيير".
وتتولى تلك المؤسسة إقامة صلات بين المستثمرين ورجال الأعمال في الأسواق الناشئة من جهة، وبين مصادر تمويل لمشروعاتهم، وأشخاص يقدمون لهم الدعم والإرشاد من جهة أخرى.
وتولد المشروعات الجديدة الناجحة أثرا ديناميكيا فعالا. فبحسب تقرير أعدته إحدى الجهات التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، توفر الشركات التي لا يزيد عدد موظفيها على 250 موظفا، ولا يتجاوز عمرها خمس سنوات؛ 40 في المائة من فرص العمل الجديدة في الولايات المتحدة و18 دولة أوروبية.
وهنا يعتبر مايك هينيسي، الذي كان مديرا تنفيذيا في قطاع المبيعات في عدة شركات من بينها (أوراكل)، أن "رجال الأعمال وأصحاب المشروعات هم الأبطال الحقيقيون". ويستثمر هينيسي حاليا أمواله في العديد من الشركات والمشروعات حديثة النشأة، وغالبيتها في أميركا اللاتينية.
وفي الوقت الحاضر، سهلت شبكة الإنترنت إقامة صلات وروابط بين رجال الأعمال وصغار المستثمرين، ممن يأملون في تحقيق أشياء مفيدة وخيرة عبر الحصول على قروض قد لا تتجاوز قيمتها 20 دولارا، ويسعون كذلك في الوقت نفسه لجني بعض الأرباح.
ويأمل هينيسي من جانبه في تحقيق عائد كبير، ربما يصل إلى عشرة أضعاف حجم المبلغ الذي استثمره في الأصل. لكن في أغلب الأحيان، يجد هذا الرجل أنه من المجدي له بشكل شخصي استثمار أمواله في شركات ناشئة مثل شركة سونترا، التي تأسست في مدينة ساوباولو البرازيلية قبل عامين فقط.
وتقدم هذه الشركة خدمات الوساطة في مجال شحن البضائع عبر شبكة الإنترنت، ولا يتجاوز عدد موظفيها 14 موظفا.
والآن، هل تريد أنت أيضا المشاركة في مثل هذه الأنشطة؟ في السطور التالية استعراض لثلاث طرق يمكن من خلالها المضي قدما في هذا الاتجاه:
ابدأ على نطاق محدود عبر تقديم قرض صغير
عندما تتحدث نانسي سوميرز (61 عاما) عن أنشطتها الاستثمارية فإنها تصف نفسها ضاحكة بأنها "ممولة أو خبيرة مالية دولية". فالسيدة، التي تقيم في ولاية مينيسوتا الأميركية وكانت من قبل مالكة لإحدى شركات المقاولات، قدمت آلاف القروض عبر شركة كيفا، لكنها تحجم على الرغم من ذلك عن الإفصاح عن القيمة الكلية لهذه القروض.
أحد هذه القروض لم يتجاوز 25 دولارا، وقُدم إلى صاحب إحدى المكتبات في العاصمة الأردنية عمّان. وعندما يسدد المقترضون ما حصلوا عليه من قروض، تعيد سوميرز استثمار هذه الأموال عبر موقع "كيفا" من أجل مساعدة أصحاب مشاريع آخرين.
وتفيد المعطيات بأنه جرى من خلال الموقع، الذي أُطلق عام 2005، تقديم قروض بقيمة 595 مليون دولار أميركي إلى 1.4 مليار مقترض، وذلك عبر 1.2 مليون مُقرض.
ويحدد المقرضون هوية المقترضين منهم بفضل التفاصيل التي ينشرها الموقع عن رجال الأعمال الراغبين في تلقي مثل هذه القروض، وكذلك عن المشروعات الصغيرة التي تحتاج إلى تمويل.
وتُسدد القروض التي تقدم عبر موقع "كيفا" بدون فوائد. أما التكاليف الخاصة بتشغيل الموقع فيتم توفيرها عبر المنح. وتشير الأرقام إلى أن متوسط القرض الواحد الذي يُقدم من خلال "كيفا" يبلغ 418 دولارا.
وينشر الموقع تقييمه للجدارة الائتمانية لكل راغب في الاقتراض على نحو علني؛ وعلى مقياس مؤلف من خمس درجات. وبحسب القائمين على "كيفا" فإن نسبة سداد القروض تبلغ 98 في المئة.
أما بالنسبة لمن يسعون لجني عائدات من تقديم القروض، فيمكنهم العمل من خلال مؤسسة "كالفرت فاوندايشن" الأميركية التي تُعنى بتقديم التمويل للأنشطة الرامية لخدمة المجتمع، ومقرها ولاية ميريلاند.
وتسمح المؤسسة، وهي إحدى فروع مؤسسة "كالفرت إنفستيمنت"، باستثمار مبالغ قد لا تتجاوز 20 دولارا، عبر آلية تمويل تُطلق عليها اسم "سند الاستثمار المجتمعي". ويحصل المستثمرون في إطار هذه الآلية على عائدات سنوية تتراوح ما بين 0.5 في المائة و3 في المئة، وفقا للمدى الزمني لاستثماراتهم.
وعلى مدى 20 عاما من التعامل بهذه السندات، نجحت هذه المؤسسة في الإبقاء على سجلها ناصعا، عبر تحصيل أصول الديون بنسبة 100 في المائة، وتحقيق نفس النسبة فيما يتعلق بسداد عائدات الاستثمارات للمستحقين لها.
لكن ذلك لا ينفي أن المستثمرين يواجهون خطر عدم الحصول على أموالهم سواء تلك التي أقرضوها أو العائدات المستحقة لهم بفضلها.
وليست هذه المؤسسة الأميركية المثال الوحيد هنا، فمصرف تريودوس بانك الهولندي الذي يوفر التمويل لصغار المقرضين يتيح للمستثمرين الفرصة لشراء شهادات الإيداع الخاصة به.
وبحسب المصرف الذي يدير أنشطة في عدد من الدول الأوروبية، فإن العائدات السنوية لهذه الشهادات، والمماثلة للعائدات المقررة للأسهم في نفس المصرف، تراوحت ما بين 2.8 في المائة إلى 4 في المائة، على مدار السنوات الخمس الماضية.
استثمر في صناديق الاستثمار الخاصة
أدى ظهور وازدهار بضعة صناديق استثمار خاصة إلى تمكين صغار اللاعبين أو المستثمرين محدودي القدرات المالية من ضخ استثماراتهم في المشروعات المقامة في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من أن هذه الصناديق عادة ما تكون خاضعة لهيمنة رجال الأعمال الأكثر ثراء أو ذوي النفوذ والصلات القوية، فإن بعض الصناديق التي ظهرت حديثا باتت متاحة لمستثمرين ذوي رؤوس أموال محدودة، أو لرجال أعمال لم يتلقوا دعوة للانضمام إلى مؤسسات تمويل مثل هذه.
وبحسب آلان تايلور المسؤول في "شبكة إنديفور" فإنه صناديق الاستثمار الخاصة التي يتم إنشاؤها في الأسواق الناشئة تُصنف على أنها من ضمن قطاعات الاستثمار الأكثر عرضة للمخاطر.
وفي وقت سابق من العام الحالي، أطلقت الشبكة صندوقا يحمل اسم (تأثير المشروع). ولدى الشبكة صندوق آخر باسم "إنديفور كاتاليست"، الذي يصل مداه الزمني إلى 10 سنوات، بحد أدنى من الاستثمارات يبلغ 25 ألف دولار.
ويجني المستثمرون في هذا الصندوق أرباحا عندما تُباع الشركات التي تُضخ الاستثمارات فيها، أو يتم طرح أسهمها للاكتتاب العام.
وعند انتهاء فترة عمل الصندوق، ستؤول 80 % من الأرباح إلى شبكة (إنديفور) لتمويل أنشطتها غير الهادفة للربح، بينما ستذهب الـ20 % المتبقية للمستثمرين في الصندوق.
وإذا ما كنت أحد المشاركين في الصندوق وأردت الخروج منه واستعادة أموالك، ووجدت مستثمرا آخر يرغب في شراء أسهمك؛ ينبغي أن تتم عملية البيع والشراء هذه بموافقة القائمين على الصندوق.
تحول إلى "مستثمر ملائكي"
يشير مصطلح "المستثمر الملائكي" إلى كل مستثمر ناجح وذي خبرة في مجال الأعمال، يعرض تقديم أمواله وخبراته وشبكة اتصالاته وعلاقاته القوية لشركة ما في طور الإنشاء والنمو.
وفي المقابل، يحصل مثل هذا المستثمر على حصة في الشركة، وكذلك على عائدات مالية، بعدما تنمو أعمالها وتُباع، أو تُسجل في سوق الأوراق المالية.
وفي الأسواق الناشئة، يعد "المستثمر الملائكي" الأكثر نجاحا هو ذاك الذي ينسج بكفاءة شبكة علاقات قوية مع دول بعينها أو قطاعات صناعية محددة، سواء عبر صلات القربى أو من خلال روابط العمل والتجارة. وفي أغلب الأحيان يكون لدى هؤلاء المستثمرين مجموعة من الشركات التي يضخون أموالهم فيها، بمبالغ تتراوح ما بين عشرات الآلاف وملايين الدولارات.
ويشكل موقع "أنغل ليست" (أو قائمة الملائكة) في الولايات المتحدة نموذجا للمواقع الإلكترونية التي تعمل على إقامة صلات وروابط بين المستثمرين والشركات الناشئة.
لكن يتعين علينا هنا أن نقر بأن مستوى المخاطر مرتفع بالنسبة لهذا النوع من المستثمرين. فحتى "المستثمر الملائكي" قد يخسر استثماراته بالكامل إذا ما أفلست الشركة.
لكن إذا ما مضت الأمور على ما يرام، حسبما يقول مايك هينيسي، فان المستثمرين من هذا النوع الذين يعملون في الأسواق الناشئة، قد يجنون ما يصل إلى خمسة أو عشرة أضعاف استثماراتهم الأصلية في المشروع، وذلك خلال فترة تتراوح ما بين 5 و10 سنوات.
وعادة ما يحدث ذلك عندما يتم بيع الشركة أو الاستحواذ عليها من جانب شركة أخرى. ويرى هينيسي في هذا الصدد أن "الجائزة النهائية هنا تتمثل في رؤية التأثير الذي يمكن أن يحدثه ظهور شركة ناجحة على النظام الاقتصادي برمته، وذلك عندما يشرع مؤسسو مثل هذه الشركة في ضخ استثماراتهم في شركات أخرى، أو يبدأون في تأسيس شركات جديدة".-(بي بي سي العربية)