هل ينبغي ان تتدخل السياسة العامّة لتوجيه الاستهلاك؟

حرية السوق والمنافسة تقضي بعدم التدخل، وهكذا فعلى النقيض مما تعلمناه في كراريس قديمة لآداب السلوك ومنها آداب استخدام الهاتف لقول ما هو ضروري تنشر شركات الخلوي اعلانات تدعوك للثرثرة بلا حدود بأسعار مغرية!

اضافة اعلان

عندما نقرأ الأرقام عن حجم استيراد الهواتف الخلوية نصاب بالذهول، فنحن نستهلك منها أكثر مما نستهلك من الخضار والفواكه، ويمكن لأي اقتصادي ان يقول لنا الفرق بين إنفاق مليار دينار على الهواتف الخلوية وانفاق مثلها على الخضار والفواكه. دع عنك الدلالة الصحيّة لنسبة استهلاك الفواكه والخضار وهي عندنا أقلّ بعشرين مرّة من الاتحاد الأوروربي، ولنفكر في مكانة كل من السلعتين في الدورة الاقتصادية الوطنية بين سلعة مستوردة بالكامل تستنزف من ميزانية الانفاق من دون اي مساهمة في الانتاج وسلعة يتوزع مردودها على الجميع من العاملين في الزراعة الى النقل الى التجارة ويعاد توظيف مردودها في اعادة الانتاج.

كالعادة سنجد من يقول ان قوانين السوق الحرّ تقضي بقبول هذا الواقع وكأن هناك مبدأ مقدسا ينبغي الالتزام به وليس خيارا نقرر بشأنه وفق مصلحة البلد والمواطن.

سيقال يجب ان نترك للناس ان تقرر مصلحتها ورغبتها، لكن لماذا اذن نتدخل في سلعة مثل السجائر؟ فمنع اعلانات التدخين بل ومنع استهلاك الدخان في الأماكن العامّة هو نوع من التدخل لمادّة يعتبر بيعها مشروعا وطريقة التدخل تضغط في الواقع لتقليص استهلاكها. طبعا سيقال ان هناك سببا استثنائيا هو الصحّة وليس بالضرورة ان يكون المواطن قادرا على القيام بالخيارات الصحيّة الصحيحة ويجب على الدولة التدخل لحماية السلوك الاستهلاكي الصحيح، لكن بصورة ما فإن هذا ينطبق على أمور كثيرة غير الدخان حيث يتورط المواطن في سلوك استهلاكي شنيع مثل ان يكون انفاق العائلة على الخلوي أكثر من انفاقها على الغذاء حتّى لدى اصحاب الدخل المحدود، وقد ثبت ان السوق قادر على جرف الناس الى تقسيم غير متوازن بصورة خطيرة لجوانب الانفاق.

المحزن اننا في السجائر نفسها لم ننجح في توجيه الاستهلاك فإنفاقنا السنوي يقترب من مليار دينار ومؤخرا اظهرت الاستطلاعات اننا من اعلى الدول في نسبة المدخنين وأن أكثر من ربع الشباب في سنّ المدرسة يدخنون وتتسع ظاهرة التدخين بين النساء وما يزال التدخين مسموحا في الأغلبية الساحقة من الأماكن العامّة.

نحن في  بلد ما تزال الهوّة تتسع فيه باطراد بين الدخول وكلف المعيشة، بلد أصبحت عاصمته تحتل الموقع الأول بين العواصم العربية في الغلاء مع انها ليست الأولى ابدا في مستوى الدخول، وليس منطقيا ان نقف مكتوفي الأيدي ازاء ذلك، فتحقيق تنمية توفر الرفاه والتقدم الاجتماعي يتطلب درجة معيّنة من التدخل بما في ذلك التدخل بإجراءات تؤثر في توجيه الاستهلاك.

jamil.nimri.alghad.jo