هل ينصف "القرار المرتقب" أصحاب العمل والعمال معا؟

رانيا الصرايرة عمان - فيما أعلن وزير العمل، نضال القطامين، عن قرب صدور قرار يوفر دعما ماليا للعامل وصاحب العمل، لكن دون ان يكشف عن تفاصيل هذا الدعم، وألمح مصدر مسؤول في الوزارة، الى ان القرار المرتقب سيكون على هيئة إلغاء امر الدفاع رقم 6 وإصدار امر دفاع جديد يقلل ما يتم خصمه من أجر العامل بحال لم يتم تكليفه بعمل، وكذلك تقليل النسبة التي يدفعها صاحب العمل للضمان الاجتماعي. القطامين الذي قال أيضا في اجتماع خلال لقاء نظمته غرفة تجارة عمان الأربعاء الماضي، ان الحكومة ستعلن عن حزمة إجراءات لتوسيع الحماية الاجتماعية للأفراد المتضررين من الجائحة، بيد أنه وعند الاتصال به لمعرفة تفاصيل هذه الإجراءات، اكتفى بالقول، ان رئيس الوزراء سيعلن عنها الأسبوع المقبل، في حين تشير توقعات وتسريبات حكومية، الى ان أبرز هذه الإجراءات الإعلان دعم دفعة جديدة من عمال المياومة ضمن امر دفاع رقم 9 الذي أعلنت عنه الحكومة في أيار (مايو) الماضي لدعم عمال المياومة، حيث تقدر احصائيات غير رسمية عددهم بـ400 الف عامل، وتم في المرحلة الأولى صرف دعم مالي لـ200 الف عامل لمدة شهرين، وتم منح العامل الذي لديه اسرة تتكون من فردين 70 ديناراً، و136 دينارا للعامل الذي يعيل اسرة يتكون افرادها من ثلاثة اشخاص فأكثر. الشروط العامة لاستحقاق الدعم، تشترط أن يكون المتقدم لطلب الدعم رب أسرة بموجب دفتر عائلة أو أي وثيقة أخرى صادرة عن دائرة الأحوال المدنية، ويشمل أبناء قطاع غزة وأبناء الأردنيات، وألا يكون رب الأسرة العامل مشمولا بقانون الضمان الاجتماعي المعمول به قبل مدة التضرر أي قبل الأول من نيسان (أبريل)، وانقطاع دخل رب الأسرة المعيل الرئيس لأسرته نتيجة عمله بأحد قطاعات العمل غير المنظم نتيجة الإجراءات المتخذة لمواجهة أزمة انتشار وباء كورونا، وألا يكون لرب الأسرة أي مصدر آخر للدخل المتكرر خلال مدة التضرر، وألا يزيد إجمالي الدخل المنتظم وغير المنتظم المصرح به لأبناء رب الأسرة في حال وجوده على 350 ديناراً شهرياً. وخصصت الحكومة 10 ملايين دينار للدفعة الثانية من برنامج "تكافل 2" الذي يكلف 29 مليون دينار، بعد أن قدم صندوق "همة وطن" حوالي 19 مليون دينار لصندوق المعونة الوطنية. وبحسب مصدر مطلع، يبدو ان الحكومة ستعلن عن استمرار الدعم لهذه الفئة، لكن مصدرا حكوميا قال لـ"الغد"، ان عدة جهات كانت قد تقدمت سابقا للحكومة بمقترح يتمثل بتمكين عمال المياومة من الاستفادة من صندوق تأمين التعطل التابع للضمان الاجتماعي مقابل اشراكهم في الضمان الاجتماعي باقتطاعات مخفضة، لكن الحكومة عند إعلانها امر دفاع توجهت الى اعانتهم ماليا لمدة شهرين فقط دون التفكير باستغلال الفرصة لتنظيمهم، فلطالما أبدت الحكومة اعتراضها من توسع رقعة العاملين في القطاع غير المنظم، كون الحكومة وقت عملهم، لم تكن تتقاضى منهم أي ضرائب، وفي المقابل هم كانوا خارج الحماية الاجتماعية. مدير بيت العمال، حمادة أبو نجمة، يرى انه "كان من الأفضل لو ذهبت الحكومة باتجاه تشجيع عمال المياومة على التسجيل في الضمان الاجتماعي مقابل حصولهم على الدعم المالي"، مبينا ان "هذا ممكن من خلال تطوير النظم التأمينية، ومد الحماية الاجتماعية للمشتغلين فيه، مع الأخذ بالاعتبار القدرات الاقتصادية لهم، وعدم تكليفهم بأعباء اشتراكات تفوق إمكانياتهم". واكد أبو نجمة، ان "برنامج دعم عمال المياومة الذي اطلقته الحكومة سابقا لم يشر الى أصحاب المحلات الصغيرة مثل الحلاقين، محلات الميكانيك، محلات الحرف"، مبينا انهم أيضا عمال مياومة وتضرروا بشكل كبير من هذه الازمة. ويطالب أبو نجمة، بشمولهم فورا بالضمان، سواء أكانوا مرتبطين بأصحاب عمل أو غير مرتبطين، وتخفيض كلف الاشتراك الاختياري إلى المدى الذي يتناسب مع قدراتهم. ويؤكد ضرورة إنشاء صناديق وطنية للمشاركة بأعباء الضمان والتأمين للمواطنين غير القادرين، أو الذين يعملون في قطاعات غير منظمة، والعمل فورا على شمول عاملي قطاع الزراعة بقانون العمل والضمان عبر اصدار نظام عمال الزراعة، الذي كان يفترض إصداره منذ العام 2008. وبين أبو نجمة، أن القطاع غير المنظم، يصعب رصده وتحديد حجمه وعدد عامليه ومستويات دخولهم وحالتهم الوظيفية، وفيما إذا كانوا يعملون بصورة دائمة أو مؤقتة، أو إذا كانوا على رأس عملهم أم فقدوه في أي مرحلة من المراحل، لأن عملهم غير مرتبط رسميا أو مسجل لدى الجهات المعنية كالضمان بشكل خاص. وأكد أبو نجمة، أهمية تعزيز قدرات شبكات الأمان الاجتماعي، وزيادة مخصصاتها وتوجيهها للفئات الضعيفة، ومنها العاملون في القطاع غير المنظم، ومساعدتهم نقديا وعينيا، وزيادة قيمة الإعانات وتسريع صرفها، وتوسيع الفئات المستفيدة منها، لتشمل من فقد العمل من العاملين فيه، والأسر منخفضة الدخل. ولفت إلى أهمية اتخاذ خطوات أخرى معززة لهذه الإجراءات، ستسهم حتما بتحسين أوضاع هذه الفئات، كإعادة جدولة استحقاق القروض لفترة زمنية، تتناسب مع الفترة المتوقعة للأزمة، وإعفاء السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن من الضريبة وتحديد أسعارها، وتوسعة الشمول بالتأمين الصحي لكل من لا يحظى بتأمين رسمي أو خاص. وقدرت دراسة متخصصة أطلقها مركز القدس للدراسات السياسية متوسط نسبة الناتج المحلّي الإجمالي للاقتصاد غير الرسمي إلى الناتج المحلّي الإجمالي بـ24.9 %؛ رابطة تزايد حجم القطاع غير الرسمي بارتفاع في نسبة العمالة غير الرسمية. وقالت الدراسة ان القطاع غير الرسمي "يشتمل على كافة الأنشطة الاقتصادية التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي لكنها غير مسجلة رسمياً من قبل الجهات المعنية". وتُشير نتائج الدراسة إلى أنّ "الرسوم والمعدّلات الضريبية المرتفعة هي السبب الرئيس وراء العمل في القطاع غير الرسمي"، لافتة الى أن معظم المشاركين في القطاع غير الرسمي يعجزون من الناحية المالية عن دفع هذه الرسوم والمعدّلات الضريبية الباهظة. وبينت النتائج أن أكثر من ثلث العيّنة (38.9 %) يعملون في الاقتصاد غير الرسمي بسبب عدم كفاية القدرات المالية، فيما يعمل 26.4 % بشكلٍ غير رسمي بسبب الرسوم والضرائب المرتفعة. واعتبرت أن ذلك "ينسجم مع الفرضية العامة بأنّ معظم الأشخاص الذين يعملون في أنشطة غير مُرخَّص لها يعانون من ظروف اقتصادية ومالية صعبة”. وتكشف هذه الحقيقة عن سبب مهمّ جدًا وراء التوسّع الأخير في الأنشطة غير الرسمية: فالعجز عن الحصول على التمويل يُعتبَر أحد الأسباب الرئيسة وراء تزايُد الأنشطة غير الرسمية والعمل غير الرسمي. وثمّة عدد كبير من المشاركين في القطاع غير الرسمي الذين لا يعلمون بمصادر التمويل المُتاحة، وإن تمكّنوا من تأمين التمويل، تشكّل معدّلات الفائدة المرتفعة والكفالات حاجزًا يمنعُهم من تمويل أنشطتهم ضمن القطاع الرسمي". اما أمر الدفاع رقم (6) والبلاغات الصادرة بموجبه، فتعاملت فيما يتعلق بالأضرار التي أصابت مؤسسات القطاع الخاص تعامل باتجاهين، الأول يتعلق بأجور العاملين والثاني يتعلق بالحفاظ على الوظائف، فمن حيث الأجور أجاز أمر الدفاع الاتفاق بين صاحب العمل والعامل الذي يؤدي عمله كالمعتاد (غير متوقف عن العمل) على تخفيض أجره بحد أقصى 30 % بشرط أن تكون هناك موافقة حرة للعامل على ذلك، وهو أمر يعتبر محظورا في الوضع الطبيعي في قانون العمل حتى لو تم بموافقة العامل، كما أجاز له (بشرط موافقة وزارة العمل) أن يخفض أجر العامل المنقطع عن العمل بسبب الحظر إلى 50 % بحد أقصى، بينما يوجب قانون العمل أن يحصل العامل على راتبه كاملا ما دام غيابه بسبب عطلة رسمية أقرتها الحكومة، حيث تعتبر فترة الحظر شكلا من أشكال العطل الرسمية كونها عطلة طارئة قررتها الحكومة. وبشأن الحفاظ على الوظائف، فقد حظر أمر الدفاع إنهاء خدمات أي عامل لأي سبب من الأسباب إلا في حالات محدودة، وهي بلوغ سن تقاعد الشيخوخة حسب قانون الضمان الإجتماعي، أو إذا ارتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة 28 من قانون العمل، وذلك تحت طائلة العقوبة بالحبس أو الغرامة التي فرضها أمر الدفاع على صاحب العمل الذي يخالف أحكامه. كما أجاز لصاحب العمل الذي لا يستطيع الاستمرار بالعمل أن يطلب من وزارة العمل الموافقة على وقف مؤسسته عن العمل بشكل كامل وتعليق عقود العاملين لديه، على أن يقدم ما يثبت مبررات ذلك، وفي حال الموافقة يحظر على المؤسسة ممارسة أي نشاط من أي نوع، وعلى أن يعود العمال إلى عملهم في حال عودة العمل إلى طبيعته. إلى ذلك، يؤكد تقرير صادر عن بيت العمال، ان هذه الأحكام تشكل تعطيلا لعدد من النصوص ذات العلاقة في قانون العمل، وبشكل خاص المادة 31 منه التي أوجبت على صاحب العمل الذي يعاني من ظروف اقتصادية أو فنية تضطره لإنهاء خدمات بعض العاملين لديه أو كلهم أو تعليق عقودهم مؤقتا، أن يقدم طلبا بذلك إلى لجنة مشكلة من ممثلين عن أطراف العمل (الحكومة وأصحاب العمل والعمال) ويكون قرار وزير العمل بالرفض أو الموافقة المستند إلى توصية اللجنة قابلا للطعن أمام محكمة الإستئناف. وكذلك المادة 50 التي توجب على صاحب العمل في حال وقف العمل بصورة مؤقتة بسبب لا يعزى إليه أن يدفع للعاملين أجور الأيام العشرة الأولى من التوقف ونصف الأجور عن الأيام التي تلي ذلك وبحد أقصى 50 يوما. التقرير يؤكد كذلك انه كان الأجدى أن تعمل الحكومة على دعم الأجور خلال فترات التوقف القسري عن العمل نتيجة الجائحة، إما مباشرة من خلال صناديق تنشئها لهذه الغاية كما فعلت بعض الدول، أو من خلال تولي صندوق التعطل في الضمان الاجتماعي دفع راتب تعطل للعاملين المتوقفين عن العمل باعتبارهم متعطلين مؤقتا، وبذلك لا يتحمل صاحب العمل أي أعباء، ويحتفظ العمال بوظائفهم، ويحصلون على دخل كاف، الأمر الذي يتطلب توفير موارد خاصة لذلك بعد أن تم استنفاذ جزء كبير من مدخرات صندوق التعطل نتيجة السحب منه للتعليم والعلاج عملا بالتعديل الجائر الذي تم على قانون الضمان الإجتماعي العام الماضي بصورة تتنافى مع هدف وجود الصندوق، الأمر الذي تسبب في إرهاقه وعدم تمكنه من الوفاء بالتزاماته تجاه المدخرين، ودفع الحكومة إلى تجنب تفعيل القانون والصرف منه للمتوقفين عن العمل رغم أنهم كانوا قد ادخروا فيه طوال السنوات الماضية للإستفادة منه في مثل هذه الظروف. ويشدد على أن الحلول التي اعتمدتها الحكومة قد عمقت من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فتسببت في زيادة رقعة الفقر وتوسعها بصورة غير مسبوقة نتيجة فقدان الوظائف ونقص الدخل، وأضعفت بشكل كبير القدرة الشرائية للمواطنين مما أثر سلبا على انتاجية المؤسسات وحركة السوق، وتسبب في تفاقم مشكلة الركود الإقتصادي، وكان الأولى في مثل هذه الظروف أن تعمل الحكومة على ضخ أموال أكثر من خلال دعم الأجور ودعم المؤسسات خاصة الصغيرة والمتوسطة منها، بما يساهم في تحريك عجلة السوق وينعش الاقتصاد.اضافة اعلان