هل يوحد "داعش" السوريين؟

ليس ثمة جديد، ولا ما يجب أن يكون مستغرباً أبداً في ما انتهى إليه تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في سورية، قبل أيام، عن تنامي عدد مقاتلي المعارضة السورية الذين ينشقون للانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش" سابقاً)، بما يسمح بإضفاء "الطابع السوري" على التنظيم الغريب حتى الآن.اضافة اعلان
ذلك أن مثل هذا السيناريو، أو المسار الفعلي، ليس إلا تكراراً لما كان مسلماً به بشأن صعود "القاعدة" عموماً في سورية، وتزايد قوتها بشكل مطرد، عقب نجاح النظام في فرض الطابع العسكري على الثورة. إذ ببساطة، وكما بات معروفاً اليوم، بعد أن كان متوقعاً تماماً حد البداهة منذ البداية، فإنه بعد أن توجب على السوريين الاختيار بين الموت أو الموت على يد النظام، يسبقه غالباً الموت مراراً تحت التعذيب، لم يعد من مجال للسوريين إلا حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم. ثم، وإذ تخلى الجميع عن الثوار، إنما مع إطلاق يد النظام مدعوماً من إيران وروسيا وحزب الله وسواه من الميليشيات الطائفية العراقية وحتى الأفغانية والباكستانية، لإعمال القتل الجماعي، الطائفي والمناطقي، فقد كان طبيعياً أن يلجأ السوريون إلى الأفضل تدريباً وتسليحاً، أي "القاعدة". وهذا هو السبب ذاته التي تفسر به اللجنة الأممية تزايد أعداد السوريين الآن ضمن "داعش"، كونه بحسب عضوة اللجنة كارين كونينج أبو زيد، تنظيم "أفضل من جماعات أخرى للمعارضة، لأنه يمتلك المقومات وقادر على كسب المعارك والسيطرة على الأراضي".
وبدرجة كبيرة، فإن هذا السيناريو هو الذي تحقق ويتحقق في العراق، حيث تُظهر التقارير الصحفية حالة شبه إجماع بين العراقيين السُنّة بتفضيلهم المسلحين، بالمطلق، على سلطة المالكي التي ارتبطت بالسياسة الطائفية، بدءاً من الإذلال والإقصاء وحتى التصفية والاستئصال، وبما يفسر قدرة فصائل الثوار العراقيين على التحالف مع "داعش"، على الأقل إلى حين، من دون خشية من خسارة حاضنتها الشعبية.
ولعل الأخطر من تفوق "داعش" عسكرياً ومالياً على من سواه، هو السياسة التي ينتهجها في العراق، والقابلة للتمدد إلى سورية، وتتمثل باختصار في محاولة "كسب القلوب"؛ من خلال توفير الوقود بأسعار رخيصة مثلاً، والسيطرة على المخابز لضمان حصول المواطنين الخاضعين لسيطرة التنظيم على الخبز بشكل متواصل ومنضبط. وهي سياسة خطيرة بوضعها في سياق عقيدة "داعش" القائمة على استئصال المختلفين، من كل دين ومذهب وطائفة، بما في ذلك السّنّة. وهي السياسة ذاتها التي ينتهجها نظام الأسد، كما نظام المالكي، لأن هدفهما أيضاً هو البقاء في السلطة بأي ثمن.
بالنتيجة، يخوض "داعش" فعلياً الآن صراع توحيد السوريين في الأماكن الخارجة عن سيطرة النظام. لكنها، طبعاً، وحدة ضد سوريين آخرين يقفون مع النظام، طوعاً أو كرهاً. والمفارقة أن التنظيم الإرهابي يهتدي إلى سر القوة هذا، فيما يصر النظام الذي يدعي أنه يمثل الدولة، على مواصلة تخوين المختلفين معه، وإعمال القتل والاعتقال والتعذيب الجماعي.
هكذا، يكون الخيار الآن في سورية، كما في العراق، هو بين وحدة يؤسسها "داعش" ضد وحدة أنظمة الاستبداد، وبالتالي تواصل حروب الكل ضد الكل؛ أو وحدة تضم الجميع لأجل دولة الجميع التي دمرتها الأنظمة القائمة ابتداء، ويبدو أنها لا تمانع باقتسامها مع الإرهابيين إن كانوا يضمنون للبعض البقاء حكام ركام، ولبضع سنوات أخرى.