هل يُحدث فيروس "كورونا" تأثيرا اقتصاديا متكافئا؟

هنود يقفون في طابور بانتظار معونات في إحدى القرى - (ا ف ب)
هنود يقفون في طابور بانتظار معونات في إحدى القرى - (ا ف ب)

يوهانز هوجفين، بلال ملاعبل، وكيندرا فاديرا*

يكشف فيروس "كورونا" المستجد عن تفاوتات فيما بين البلدان، بل وداخلها. ففي جميع أنحاء العالم، يكون الأشخاص الأكثر فقراً أكثر عرضة لخطر العدوى بسبب زيادة احتمال تعرضهم للإصابة بالأمراض المصاحبة، وانخفاض احتمال أن يتمكنوا من العمل من المنزل، إضافة إلى أنهم يعيشون على الأرجح في أسر كبيرة تضم أجيالا متعددة داخل أماكن ضيقة، مع محدودية سبل الحصول على المياه النظيفة. ويقل احتمال تلقي الفئات الفقيرة الرعاية التي تحتاجها في حالة التعرض للإصابة بفيروس "كورونا" ومن ثم ينخفض احتمال بقاء أفرادها على قيد الحياة بعد الإصابة.
إضافة إلى ذلك، فإن التأثير الاقتصادي الذي يحدثه فيروس "كورونا" غير متكافئ أيضًا. وفي حين أنه لم ينج أحد من آثار هذه الجائحة، يوضح تقرير يصدر قريباً عن "آثار فيروس كورونا على الرفاهة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" مدى اختلاف الإحساس بتداعيات فيروس "كورونا"، حتى داخل كل بلد. والحقيقة أن الفقراء أو اللاجئين أو من يعملون في القطاع غير الرسمي هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس، وهم أكثر تضرراً من الناحية الاقتصادية بسبب حالات الإغلاق، ولديهم وسائل أقل لمواجهة الخسائر التي تلحق بالدخل.
وبينما يكافح العالم للحد من تأثير فيروس "كورونا" عن طريق عمليات التلقيح الجماعية، تظهر حالات أخرى من عدم المساواة. فثمة أوجه عدم تكافؤ إلى حد بعيد في تلقي اللقاحات بين البلدان. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تلقى 60 شخصاً من بين كل 100 شخص جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. في المقابل، يقل العدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أربعة أمثاله: أي 15 شخصاً من بين كل 100 شخص. وفي جميع بلدان المنطقة، توجد تفاوتات ضخمة في تلقي اللقاحات مع معدلات تطعيم تبلغ نحو 50 شخصاً من بين كل 100 شخص في المملكة العربية السعودية و37 شخصاً في المغرب، إلى أقل من شخص واحد من بين كل 100 شخص في اليمن وسورية، وشخصين في العراق، و4 أشخاص في مصر.
في واقع الأمر، تمثل الحصول على معلومات محدثة عن عدم المساواة في تلقي اللقاحات داخل البلدان تحدياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بسبب عدم الانتظام في إجراء المسوح على المستوى الوطني، وانخفاض معدلات تلقي اللقاحات. إضافة إلى ذلك، يعوق فيروس "كورونا" إجراء المقابلات المباشرة. ويعد إجراء مسوح موجهة عبر الهاتف مع الفئات المعرضة لخطر كبير والتي تستحق تلقي اللقاح احتمال وارد، ولكنه لم يتم حتى الآن. وتشير معلومات غير موثقة، مثل المعلومات التي تحدثت عن تخطي السياسيين اللبنانيين قوائم انتظار تلقي اللقاحات، إلى عدم المساواة السائدة خاصة في المرحلة الأولى من إطلاق عملية التطعيم، لكن الأدلة التي لدينا ليست منهجية. لحسن الحظ، تم إجراء مسوح عبر الهاتف على المستوى الوطني في العديد من البلدان بغية تقييم تأثير الجائحة على رفاهية من شملتهم تلك المسوح. وفي حين لم تطرح هذه المسوح أسئلة عن وضع عملية التطعيم، يوجد الكثير الذي يمكن تعلمه من الأسئلة التي تضمنتها عن اختبارات الكشف عن الإصابة بفيروس "كورونا".
على سبيل المثال، تظهر البيانات الخاصة بالعراق، التي تم جمعها في يناير (كانون الثاني) 2021، أن نحو 25 % من السكان خضعوا لتلك الاختبارات. وتكشف البيانات أن نسبة الرجال الذين خضعوا للاختبارات كانت أكبر من نسبة النساء (27 % مقابل 19 %)، وأن العاملين في القطاع العام الرسمي (35 %) يخضعون للاختبارات بنسبة أكبر بكثير من العاملين في القطاع الخاص غير الرسمي أو من لديهم أعمال حرة (24 %)، وأن الأشخاص الأقل تعليماً أو من يعانون من انعدام الأمن الغذائي هم أقل خضوعاً للاختبارات. وخلاصة القول، فإن هذه النتائج تظهر أن احتمال إجراء هذه الاختبارات كان أقل بالنسبة للفقراء والفئات الضعيفة الأخرى.
ولا تقتصر مشكلة عدم التكافؤ في إجراء اختبارات فيروس "كورونا" على العراق وحده. فالمسوح عبر الهاتف في بلدان أخرى في المنطقة تكشف عن وجود المشكلة نفسها. فمن بين المشاركين في المرحلة الرابعة من المسح عبر الهاتف في جيبوتي، أشار 29 % منهم إلى أنهم خضعوا لاختبار فيروس "كورونا"، إلا أن 22 % فقط من المشاركين الفقراء خضعوا للاختبارات مرة واحدة على الأقل مقابل 30 % من غير الفقراء. وكان الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة، مثل الأشخاص الذين يعملون في القطاع غير الرسمي، أقل خضوعاً للاختبارات من العاملين في القطاع العام (25 % مقابل 39 %).
بطبيعة الحال، تثير هذه النتائج تساؤلات مهمة. ومن المعروف أن اختبار فيروس "كورونا" مجاني في القطاع العام في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن، لماذا لا يستفيد الفقراء من هذه الخدمات؟ فهل ليس لديهم وعي؛ أم أن تكاليف الفرصة البديلة مرتفعة للغاية؛ أم توجد معوقات مادية، أو تكاليف غير رسمية، أو أي أمر آخر؟ هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لتسليط الضوء على هذه التساؤلات.
وحتى لو حصلنا على إجابات، فإن ضمان المساواة في اختبارات فيروس "كورونا" تختلف تمام الاختلاف عن توفير اللقاحات على نحو عادل. الحقيقة أن فترة صلاحية اللقاح محدودة، وبعض اللقاحات تتطلب تخزيناً شديد البرودة، ويجب أن يحصل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر - كبار السن والذين يعانون من أمراض مصاحبة - على اللقاح قبل غيرهم. ومع ذلك، لا ينبغي لهذه التفاوتات أن تحبط الجهود المبذولة لتجنب التفاوتات الملحوظة في العديد من الجوانب الأخرى لهذه الجائحة.
إن التفاوتات المرتبطة بفيروس "كورونا" تجعل الفقراء يتخلفون عن الركب على نحو منتظم. لهذا، يجب حل قضية عدم المساواة في الحصول على اللقاحات على مستوى العالم، على الرغم من أن الحكومات التي تتخذ إجراءات استباقية يمكن أن تحدث أثراً على نحو ما يتضح في معدل التطعيم بالمغرب. ويمكن للحكومات، داخل بلدانها، تجنب تفاقم التفاوتات الأخرى المتعلقة بفيروس "كورونا" عن طريق برامج الحماية الاجتماعية الجيدة الاستهداف، والاختبارات المنخفضة التكلفة (أو حتى المجانية)، ومن خلال برامج التطعيم التي تدار بشفافية. ونظراً إلى أنه من المحتمل أن يصبح فيروس "كورونا" مرضاً متوطناً، فإنه لزاماً علينا أن نتعلم القيام بعمل أفضل، وأن نستثمر في الأدلة اللازمة للتعلم.

اضافة اعلان

*يوهانز هوجفين مدير بقطاع الممارسات العالمية للفقر والمساواة لدى البنك الدولي. بلال ملاعب خبير اقتصادي في قطاع الممارسات العالمية لشؤون الفقر والإنصاف في البنك. لوكيندرا فاديرا خبير اقتصادي في قطاع الممارسات العالمية لشؤون الفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.