هموم إدارية: مطلقو الصافرات

يحتاج أي مدير أن يكون ملما بقدر كاف بما يدور في مؤسسته، ليتمكن من القيام بمهامه بإدارة المؤسسة، واستثمار الموارد المتاحة لتحقيق أفضل النتائج. لكن، هل المعلومات التي توضع بين يديه صحيحة، وموضوعية، وكافية، وآنية، ومجردة؟ أم أنه آخر من يعلم بما يجري في مؤسسته في بعض الأحيان؟اضافة اعلان
تحرص المؤسسات المختلفة على وضع أنظمة خاصة للاتصال ورفع التقارير إلى المستويات الأعلى؛ كما تعمل على اعتماد مؤشرات لقياس الأداء، تختلف في تنوعها ومستوى نضجها، ومدى ارتباطها بالأهداف الاستراتيجية من مؤسسة لأخرى. إلا أن أثر ذلك غالبا ما يكون محدوداً، ولا يغطي كل ما يلزم صاحب القرار من معلومات. فالتقارير كثيراً ما تصل متأخرة، كما أنها تحتاج إلى إعادة نظر في مدى دقتها وصحتها. لكن الأهم من ذلك أن الكثير من هذه التقارير والمؤشرات يتم اقتباسها من أفضل الممارسات والخبرات العالمية، وبالتالي لا تأخذ بعين الاعتبار البعد المحلي للمؤسسة؛ فهي بحاجة الى جهود ومراجعات، بحيث تتناسب مع ثقافة المؤسسة والبلد.  في المجتمعات الأقل تطورا، كثيرا ما يتحدث المرؤوسون إلى رؤسائهم من خلف أقنعة، تختلف من مكان لآخر. وهؤلاء يتوقعون من الرئيس أن يتعامل معهم كذلك من خلف قناع؛ يعكس الصورة الذهنية المتشكلة لديهم عن هذا الرئيس. ومن ثم، نصبح أمام علاقة مبنية من خلف الأقنعة. وقد لاحظ جيمس سكوت، في كتابه "المقاومة بالحيلة"، أن الوجه في مثل هذه الحالات ينمو مع الوقت ليأخذ شكل القناع.
فالمواجهة بين القوي والضعيف، والرئيس المتسلط والمرؤوس، تحمل قدراً من الخداع المتبادل. إذ إن الذين لا يستطيعون التعبير عن آرائهم في حضور السلطة، يحتالون على ذلك بخلق خطاب سري باطني ينقد هذه السلطة، ويتم تداوله من وراء ظهرها. أما السلطة، فتؤسس بدورها حواراً خاصاً بها لا تعلنه على الملأ. يجب أن لا يحتاج المدير إلى "وشاة" يجمعون المعلومات وينقلونها مباشرة إليه أو إلى مساعديه، فهؤلاء (الوشاة) وإن كانت معلوماتهم صادقة وخالية من الهوى، إلا أنها دائما ما تثير في المؤسسة جواً بوليسياً، وروحاً من الشك، لا تحتاجهما المؤسسة المدنية التي ينبغي أن تبني أنموذجاً خاصاً بها، على أساس الوضوح والصراحة. مع ذلك، فعلى المؤسسة تشجيع الجميع على قول ما لديهم فيما يخص العمل، بجرأة، وضمن أطر وقنوات واضحة، خصوصا حين تكون هناك قضايا كبيرة تستدعي "إطلاق الصافرات".
حركة "مطلقي الصافرات" حركة أخلاقية جديرة بالاهتمام؛ بدأت في الولايات المتحدة، وتطبق في عدد من الدول -أكثرها دول متقدمة- بهدف حماية من يرفع صوته ضد المخالفات الكبيرة الضارة بالصالح العام. وحين لا تتوفر مؤسسات وثقافة "إطلاق الصافرات"، فلا أقل من أن يتم تطبيق ممارسات داخلية للشكاوى، وتشجيع وحماية من يقدم معلومات محددة وصادقة ضد أي ممارسات ضارة.

*مدير عام مركز الحسين للسرطان