هموم شتائية..!

يُقال إن الصيف القائظ الذي شهدناه أخيراً ينذر بشتاء قارس وأحوال طقس متطرفة (أصبحت مفردة "التطرف" من الأكثر تداولاً في خطابنا الجديد). ومع ذلك، ابتهج الشتائيون ببواكير المطر في نهاية الأسبوع الماضي –فقط لتضيع البهجة سريعاً في زحمة الطريق.اضافة اعلان
أمطار الأربعاء الماضي القليلة صنعت أزمات سير خانقة استبدلت الجَذل بالملل. والشارع الذي ينبغي أن يكون ثلاثة مسارب، أصبح محشوّاً بخمس أو ستّ سيارات متلاصقة. ولم يمنع الوضع نفس المتحذلقين من ازدراء الآخرين واغتصاب الطريق عن اليمين والشمال. وفي الحقيقة، كشفت اختناقات المرور بسبب بعض المطر مرة أخرى عن ضيق شوارعنا باختلاف الأحوال: مرة يتذرعون بضغط المغتربين العائدين؛ مرة بكثرة الزائرين المصطافين؛ مرة تعاني الطرق من سوء التزام المتعهدين؛ ومرات من المطر الذي يعري عيوب التصريف، أو الثلج الذي ينبئنا بأن الاستعدادات الكاملة قد تأجلت إلى السنة القادمة.
أحد الأمثلة على "الحل بعدم الحل" للمشاكل، تمكن رؤيته في شارع المدينة المنورة، في القطاع بين دوار اليوبيل وجسر مستشفى الجامعة. هناك، أنشأوا ما يُسمى "شارع خدمات" موازٍ للطريق، لحل مشكلة وقوف السيارات بشكل مزدوج وإغلاق جانب الطريق. وبمجرد بدء إنشاء "الخدمات"، بدا واضحاً لكي ذي عين أن المشكلة لن تُحل. فبدلاً من سيارتين تصطفان بشكل مزدوج، حجز "الخدمات" مكاناً لسيارات تصطف بالطول، يليها ممر لتحرك السيارات داخلها، وبعده تصطف سيارات بالعرض بجانب الجزيرة من الداخل.
وبالإضافة إلى السواقين الذين يصطادون أي –وكلّ- فرصة يدير فيها رقيب السير ظهره، فيقفون خارج "الخدمات" في "الرئيسي"، تعني فتحات الدخول والخروج من "الخدمات" حجز المسرب اليمين من الشارع العام بشكل دائم، حيث تبطئ السيارات التي ستدخل، أو ينتظر سائقوها في "الرئيسي" فروغ مكان في الداخل، كما تعيق السيارات الخارجة من "الخدمات" المسرب الأيمن عند كل عشرة أمتار. والنتيجة: تبقى من الشارع "الرئيسي" مسرب ونصف –حرفياً- وما يزال ضبط ذلك المكان محتاجاً إلى رهط من رجال السير الذين يتعاملون مع سيدات وسادة غير متعاونين، ينتهزون كل فرصة لتخريب الترتيب. ونفكر في "حلول" الباص السريع، والقطار الخفيف، وما شابه!
كيف سيكون الحال في الشتاء؟ يشتكي مواطنون مثلاً من وجود حفر تصريف غير ناجزة ومتروكة بلا أغطية في الشوارع. ونشرت وسائل الإعلام صوراً لفخاخٍ حقيقية إذا امتلأت بالماء وأخفاها المطر عن النظر. وربما، كالعادة، سيفتحون "المناهل" في الشتاء لتصريف الماء –إما بإزالة الغطاء أو فتحه بشكل مائل، لتحطيم سيارات المواطنين. وحدث في الثلجة الأخيرة القوية –على سبيل المثال- أن سائق الجرافة التي تزيل الثلج في شارعنا اقتلع غطاء المُنهل في عُرض الطريق وسحبه بضعة أمتار –ولم ينتبه أو ينبه- وترك الدائرة الفاغرة مستعدة لاصطياد عابر في الليل الثلجي، أو سيارة يوقعها حظها أو يزحلقها الجليد المسائي إلى حفرة "الغولف" الكبيرة!
من تباشير الشتاء أيضاً، ما لاحظه الأردنيون من تجريب جماعة تسعير المحروقات في رفع أسعار الكاز والديزل بالتحديد في المرة الأخيرة. وتولد انطباع –ليس من دون أساس- بأن سعر هاتين المادتين بالذات هو الذي سيرتفع في الشتاء، لأن الناس لا يستغنون عنهما لأغراض التدفئة! وكان الأمل أن يجد الناس بعض المساعدة في أسعار الكاز والديزل في الشتاء. لكن السؤال الذي شاع بعد التسعير الأخير: هل ملأت خزانك بالديزل و"مواعينك" بالكاز قبل أن يرفعوا أسعارها في الشتاء؟! لكننا نؤجل هذا الاستحقاق أيضاً إلى الرمق الأخير –ولو مع توقع رفع الأسعار- لعلنا نُفلت مما ليس منه مجير ولا مهرب!
بشكل ما، تغيرت في العقود والسنوات الأخيرة، أشكال الفصول –ومعها مزاجات الناس- في هذه المناطق. كان صيفنا رخياً يليق بـ"الاصطياف" في جبالنا العاليات كثيراً عن سطح البحر، بهواء طبيعي وبلا مكيفات. وكان انطباع الشتاء قريباً من الفرح القُروي بقدوم الغيث والوعد بموسم حصادٍ سمين. لكنَّ الفصول هجَرت طباعها، فأصبح صيفنا قليل المياه وكثير الحر والغبار والمطالب، وشتاؤنا شديد البرد؛ كثيف الثلج وثقيل الأعباء.
أصبح تعاقب الفصول في بلادنا الموصوفة بهبة "تعدد المناخات"، مجرد تنويعات فقط على مفردة واحدة: الهموم؛ هموم الشتاء، وهموم الصيف!