همّ الأولاد وهمّ البنات

من همّه أكبر، الأولاد أم البنات؟
أكاد أجزم أن مثل هذا الحوار يتكرر يوميا مئات المرات، خصوصا مع تنامي حراك الحريات الخاصة، والاستقلالية في اتخاذ القرار، والتوحد شيئا فشيئا مع عائلات افتراضية، وبالتالي أن تكون عوالم الاتصالات الحديثة، مصدرا أساسيا في تلقي المعلومة والتوجيهات.اضافة اعلان
هموم الأولاد والبنات هذه الأيام تختلف كليا عن هموم أهالينا أيام زمان، حيث التركيز على المستوى التعليمي والتربوي والديني، طبعا مع الإشارة الدائمة وإن كانت التفافية، لموضوع الشرف بالنسبة للبنات، والمخدرات والضياع للأولاد. لكن اليوم، صرنا نتجاوز في مخاوفنا المناطق الالتفافية، وبتنا نتحدث بوضوح حول قضية الشرف وفي صميم التفاصيل الخاصة، المؤدية للخطر. أصبحت الأمهات يهاتفن بعضهن بشكل مباشر، ويضعن خططا جهنمية، لإمساك الحبوب المخدرة، في جيوب أولادهن وحقائبهم، متوقعات نسبة كبيرة لفرضية إيجادها!
زمان كانت الرقابة تأخذ زمنا معقولا وشكلا طبيعيا، ليس مثل هذه الأيام حيث عليك أن تشغل كافة أشكال المراقبة أربع وعشرين على أربع وعشرين! الأولاد صاروا ينافسون أخواتهم من حيث مصدر القلق، في ظل مجتمع منفتح على آخره، يرصد الأخطاء ويحفظها في ملفات الذاكرة، لحين الطلب. وأصبح للأخلاق أشكال وألوان مختلفة تماما، تتعلق بالسيرة الذاتية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، صور وفيديوهات وعبارات مكتوبة.
همّ الأولاد والبنات مشترك. وهو هذه الأيام ليس مخبأ في الحقائب والجيوب، بقدر ما هو محشو في العقل والوجدان والروح. كثير من الأصدقاء يشكُون في تحول أبنائهم مثلا إلى ديانات مختلفة، لا تمت بصلة للديانات السماوية. وآخرون لا يخفون قلقهم من علاقات مشبوهة مع جمعيات وجهات تعزز فكرة التمرد، وتدرب على الانسلاخ عن القيم العربية والإسلامية. أسمع أمهات يعايرن أمهات لأن بناتهن وثقن على صفحة فيسبوك أنهن "على علاقة".. هكذا ببساطة! وأرى آباء يصدمون برؤية صور التقطت لأبنائهم في حفلات مسيئة ومهينة.
همّ الأولاد والبنات لم يعد درجات علمية، يمكن تجاوز انخفاض مستوياتها، مع هذا العرض المغري للجامعات والمعاهد التي تقبل بأي شيء مقابل دفع الأقساط. ولم يعد أيضا خوفا على التغرير بهم من قبل أصدقاء السوء، في ظل اتساع دائرة السوء هذه لتشمل أعدادا أكبر، من ضمنهم أولاد وبنات لأسر محافظة وطيبة الأصل والمنشأ والتربية، وهي تعترف بذلك ضمنيا!
قضايا شرف البنات وإدمان الأولاد تتصدر قائمة المخاوف، بشكل فج ومباشر جدا، بل وبالقلم الأحمر العريض.  بحيث تراجعت المشاكل التي تؤديها الملابس الفاضحة والسهر إلى ساعة متأخرة من الليل، والتقصير في الدراسة، والكسل في أداء صلاة الجمعة، واحترام الأهل وزيارة الأجداد، وإمساك علبة سجائر في الدرج، والتحدث مع طرف آخر عبر الهاتف، والصرف الزائد على الحد، وكل القضايا التي كانت تعتبر مقدمات للخوف الأعظم من الضياع والندم. وهذا التراجع في القلق، يشكل قلقا بحد ذاته، علينا أن نقف عنده مطولا، ونحاول أن نقلب الساعة الرملية، في اهتماماتنا ومتابعاتنا ومخاوفنا، وإلا فسيأتي يوم سريع جدا، نفقد فيه السيطرة حتى على حقنا في حمل همومهم!

[email protected]