هم يدفعون الضرائب أيضا

من على قمم التلال الخضراء المحوطة بشجر الزيتون وبعض من شجر السرو بالقرب من مدينة (بيت جالا)، يعمل رجل فلسطيني في عقده السابع في مزرعته التي تحولت من مطعم صغير الى تجمع ثقافي مهم بالمنطقة. وعلى الرغم من اللجوء المتكرر وصعوبة تأمين الموارد أو التوسع بالبناء بأي شكل، الا أنه ما يزال واقفا يدير الموقع بعناد، ويصنع (المنقوشة) من الزعتر البري، ويستقبل الضيوف ليذكرهم بأن الأرض ما تزال له بينما يقوم بالتحديق بجدار عازل ورمادي وهو يخترق الأرض مثل السكين ومدينة القدس تظهر له بالأفق البعيد. اضافة اعلان
وكغيره من القاطنين بأرض الكنعانيين هو بانتظار الحل النهائي لما تم التفاوض والتوقيع عليه منذ حقبة التسعينيات بما يخص الأراضي المصنفة بموجب (اتفاقية أوسلو) كمنطقة (ج \سي)، مع الوعد بالتحرير. المكان مفتوح ويرتاده الجميع ومن بينهم ضيوف أجانب وعرب وإسرائيليون وفلسطينيون من الضفة الغربية ومن الداخل ومن المهجر والأردن، وكلهم من الحالمين.
المعادلة باقتصاد فلسطين تعمل بمقتضى اتفاقية باريس 2004 بعد اتفاقيتي أوسلو الذي يعنى بأن التعريف الوحيد المتوافر لدينا اليوم حول مشروع السلام هو (أن على الفلسطينيين أن يستوردوا البضائع من إسرائيل ولهم أن يصدروا لإسرائيل ايضا)، وبموجب ترتيبات أوسلو الأمنية تقوم إسرائيل بجمع الضرائب على بضائع الاستيراد الفلسطيني ثم تلتزم بإعادتها بعد خصم نسبة إلى السلطة الفلسطينية، ولأن شروط العمل للفلسطينيين كانت على الدوام في غاية الصعوبة فقد أصبح العجز في ميزان المدفوعات لصالح إسرائيل، وهكذا عبر السنوات أصبح الجزء الأكبر من ميزانية السلطة الرسمية عبارة عن (رديات) من إسرائيل لتمكن السلطة من دفع رواتب موظفيها وهم يشكلون النسبة الأكبر من اليد العاملة الفلسطينية،
وبالواقع أكثر من 70 % من بند المساعدات الخارجية المتأتية للاقتصاد الفلسطيني تتحول لإسرائيل لتمويل تصدير بضائعها الى فلسطين أو لتسوية عجز دائم في ميزان المدفوعات. ومن المعروف إضافة بأن إسرائيل تقوم بالاقتطاع السريع بشكل احادي لتغطية الفروقات ولأى سبب كان!
(باختصار شديد) تعتمد فلسطين اليوم ممثلة بالسلطة على الضرائب التي تجمعها إسرائيل من نشاط وقيم بضائع الاستيراد الفلسطيني، ثم لتوردها بشروط خاصة بموجب اتفاقية أوسلو، ولهذا كانت أوسلو! وفي قصة أخرى، اثنان واربعون يوما من الحصار ومن العقاب الجماعي ما عاشته مدينة (بيت ساحور) عندما رفض المستهلك باعتصام سلمي معادلة استيراد البضائع تلك وباقتراح بدائل من مثل خيار الاستيراد من السوق الأردني تحت شعار (لا ضريبة تحت الاحتلال).
عندها قامت إسرائيل بوضع اليد على المدينة بأكملها لدرجة مصادرة الملكيات الخاصة والشخصية من داخل البيوت وعرضتها للبيع بالمزاد العلني لغايات التحصيل حتى آخر فلس. ثم ولتعويض أية خسائر دفع أهل الضفة بموجب قانون ضرائب جديد ضرائب أخرى من أشهرها ضريبة الانتفاضة، وضريبة حرب الخليج، والضريبة على الزجاج المكسور، وضريبة القاء الحجارة!
ولعل أفضل مخرج من المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت وبمقياس تاريخي، هو توصية رسمية لوزيرة الاقتصاد الفلسطيني بإنشاء منطقة صناعية في اريحا والتوسع عبر تشجيع الصناعات الأردنية البديلة. ويمكن فتح باب إعادة التفاوض على بروتوكول باريس وإعطاء المجال للأردن لتحويل جزء من تجارة الفلسطينيين إلى الموانئ الأردنية (استخدم الانباط ميناء غزة).
ولا بد من إنشاء شركة كهرباء وطنية لدفع الفواتير داخل الضفة بدلا عن الاقتطاعات. وللآن التبادل التجاري بين فلسطين والأردن محدود بحوالي 150 مليون دولار سنويا حسب تصريح الوزيرة، واقوى حراك تجاري من الأردن هو من قطاع البنوك والإنشاءات وحركة الموارد البشرية والوسطاء والاستشارات وتعيينات الإدارة العامة.
وما يزال خيار ضم منطقة (ج\سي) واردا باتجاه الطرفين حسب اتفاقية اوسلو بإمكانية إعادة تفاوض الاتفاقية لصالح اسرائيل عملا بنظرية (تغير الظروف) في القانون الدولي وهذا خطير، فكل شيء عندهم قابل للتغيير لكن نحن من يقبض على اتفاقيات بحقوق جائرة بينما هم يحققون المكاسب تلو الأخرى، ومع كل تفاوض جديد يصادرون الأرض ويفرضون المزيد من الضرائب.