هواوي شبّت عن الطوق

خلال الأسابيع والشهور السابقة أصبحت شركة هواوي الصينية في القائمة الرئيسية للأخبار السياسية والاقتصاد، فضلا عن التقنية. وبرزت كعنوان للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتحد لمصداقية الغرب في مزاعم التجارة الحرة، والمنافسة العادلة، وقضية في نقاشات الأمن الوطني المعلوماتي. فالإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة وساندتها في بعضها دول حليفة تخطت حدود الإجراءات الحمائية، والقضايا التجارية أمام المحاكم، والحدود الجغرافية للولايات المتحدة وبحسب وصف أحد مسؤولي هواوي فإن "السياسيين في الولايات المتحدة يعملون على تسخير قوة أمة بأكملها لملاحقة شركة خاصة، وهذا أمر غير طبيعي، وعلى الأغلب لم يسبق له مثيل في التاريخ".اضافة اعلان
الحرب على الشركة العملاقة لم تقتصر على تقنيات ومعدات الجيل الخامس للاتصالات، فبعد إيقاف المديرة المالية وابنة مؤسس الشركة في كندا بتهمة سخيفة قبل عدة شهور، تم إدراج كافة أنشطة الشركة في ما يسمى "لائحة الكيانات" الأميركية، أي الجهات المشبوهة او بتعبير بعضهم القائمة السوداء، وسعى مسؤولون أميركيون لإقناع حلفاء واشنطن أن تحذو حذوها، بالإضافة إلى حملة التشويه غير المسبوقة التي وصلت إلى حد وصف الرئيس الأميركي للأجهزة والمعدات الصينية بأنها مصدر للخطر الأمني.
وهذا يستدعي التساؤل عن الأسباب الحقيقية لهذه الإجراءات المبالغ فيها ضد هذه الشركة، وأن ننتبه إلى المواقف الأميركية والغربية على عدة مستويات– بعيدا عن رعونة الإدارة الحالية في أميركا- والتي عززت من وضع نظريات التجارة الحرة على المحك بل جعلتها موضع سخرية، وهي التي استقرت عليها القوى الاقتصادية الكبرى في العالم منذ عدة عقود، وحرصت على تطبيقها أهم المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفرضت فرضاً على الدول الضعيفة والكيانات السخيفة التي رضيت بها قدرا محتوماً. ربما تكمن الإجابة في سجل البحث والتطوير في شركة هواوي، وحصيلة براءات الاختراع والملكية الفكرية، والميزانيات الهائلة المرصودة لذلك والنموذج الإداري للشركة، مما أثمر تطوراً سريعا ومستداماً لكافة أنشطتها. ويبدو أن هواوي شبت عن طوق المدى المتاح للكيانات خارج المنظومة الغربية أن تبلغه من حيث التأثير والقوة.
اذا اعتبرنا هواوي عنوانا ومثالاً للتقنية الصينية المنطلقة إلى آفاق جديدة، فيمكننا القول بأن تقنية المعلومات والاتصالات في العالم لن تعود كما كانت، وأن الشراكات الأميركية-الصينية المتشعبة -والتي قدمت لنا معظم ما نراه وما لا نراه من منتجات وتقنيات- هي في طريقها إلى المزيد من التحول باتجاه تنويع البدائل والاعتماد على الذات، ومن الممكن أن يترك آثارا في الاقتصاد والصناعة والسياسة والعلاقات الدولية تتجاوز البلدين. فيوم الأربعاء الماضي كان من الملفت في لقاء الرئيسين الروسي والصيني أن توقع شركة هواوي وشركة الاتصالات الروسية (م. .ت.س) اتفاقية تزود بموجبها الشركة الصينية شريكتها الروسية بمعدات وخدمات الجيل الخامس من الاتصالات اللاسلكية.
ورغم كل ما قيل في سياق الأمن القومي فإن الإدارة الأميركية لم تستطع تقديم أي أدلة تثبت اتهاماتها، والحقيقة أنه لا يمكن قبول المزاعم الأميركية والغربية في هذا السياق، فالتهديد المحتمل من انتشار التقنية والمعدات الصينية في الوصول إلى بيانات المستخدمين والمؤسسات الصينية هو حقيقة ماثلة تمارسها الشركات الغربية منذ أمد بعيد، مما يضع المسألة في سياق أخلاقي وأيديولوجي.
الجميع ينتظر ما في جعبة كل طرف من أدوات ضغط، وستكشف الشهور القادمة عن مآلات هذه الجولة من الصراع المتعدد الأوجه، وكيف سيتم تسوية القضية مؤقتاً بين العملاقين الاقتصاديين،؟ ولكن ماذا يمكن أن يقول دعاة التجارة الحرة، والمنافسة التجارية وإلغاء الحماية للدول التي تضررت من هذا النظام الاقتصادي لعقود فتراجعت قدراتها الإنتاجية أمام المنافسة للسلع المنتجة في الدول المتقدمة،؟ ما أدى إلى اضعاف قدراتها التصديرية أمام إغراق أسواقها بالسلع المستوردة، الأمر الذي انعكس على صناعتها، وأدى إلى تفاقم عجوزات موازين المدفوعات لديها، وبالتالي التوجه إلى القروض الخارجية التي راكمت الديون ورهنت البلاد، ولا عزاء للضعفاء.