هولودومور

وثقت صحيفة ذي أوكرانيان الاسبوعية التي تابعت مجاعة هولودومور (1932 – 1933) في أوكرانيا أدلة عن انتشار أكل المثيل، وهو ما يعرف بأكل كائن حي لكائن حي مثله، نعم لقد أكل الرفقاء بعضهم وطبع النظام السوفياتي حينها منشورات تحذيرية تنص بالحرف على أن ( أكلكم اطفالكم هو فعل بربري) وتشير وثائق الى أن أكثر من ألفي شخص تم ادانتهم بأكل البشر جوعاً في ذات المرحلة. هي ذات الفترة التي سادت فيها المجاعة الكازاخية والتي توثق رسمياً تحت عنوان (ابادة غولشكين الجماعية) ويقدر فيها وفاة ثلث الشعب الكازاخي خلال ثلاثة اعوام من (1930-1933) حيث سبقت كازخستان مجاعة جارتها الأوكرانية بعام، مجاعات تستحق المزيد من البحث في جذورها والتي نجد انها امتداد طبيعي لفترة جنون (غولاج) او ما يعرف بمعسكرات العمل القسري ضمن مرحلة انتقال السكان في الاتحاد السوفياتي تحت تصنيف المعاداة للسوفياتية وأعداء العمال، ولعل اشهرها منفى سيبيريا المتجمد، مرحلة تقدر بعض الاحصائيات موت ما يقارب مليوني انسان فيها، وثق الكسندر سولجينتسين ،الحائز على نوبل وأحد ضحايا هذه الحقبة، كل هذا الجنون من خلال رائعته (أرخبيل غولاج) وفيها نجد المعسكرات جزرا لا متناهية ضمن محيط من الجغرافيا البائسة التي يعمل فيها الناس بالسخرة حتى الموت. وبالعودة لجنون المجاعات يذكر ابن تغري بردي والمقريزي تفاصيل دقيقة عن مجاعة القاهرة في العام (1201) وكتب المقريزي نصاً :” وأُكلت الكلاب بأسرها، وأُكل من الأطفال خلق كثير، وإذا غلب قوي ضعيفا ذبحه وأكله وفشا ذلك حتى اتخذه الناس غذاء وألفوه”، هي ذاتها سنوات جفاف النيل الثلاثة في القرن السادس الهجري يقال فيها أن أهل القرى كانوا يخرجون للحرث فيموت الرجل منهم وهو ممسك بالمحراث متشبثاً بآخر أدوات النجاة. بحسب تقرير التنمية الصادر عن الامم المتحدة (2020) فإن معدلات الفقر تتجاوز الأربعين بالمائة في عشر بلدان عربية يشكل سكانها أكثر من ثلثي سكان المنطقة وهي أرقام غير نهائية، ففي اليمن مثلاً وقع ما يقارب نصف السكان تحت خط الفقر في احصاء (2016) فيما تشير مؤشرات (2020) بعد احتدام الصراع الى أن أكثر من ثمانين بالمائة اليوم ابتلعهم ذات الخط، وهو ما يعني أننا بحاجة لتحديث الصور في أذهاننا عن سورية وباقي دول النزاع الأهلي، حيث انهارت البنى التحتية للإنتاج وقطعت سلاسل القيمة الغذائية فيها وكانت ثالثة الاثافي بهجر السكان لأراضيهم الزراعية نزوحاً وهرباً من جحيم الحرب. نحن نتحدث عن منطقة عربية بائسة وعاجزة ومستهلكة، تستورد ربع المعروض في السوق العالمي للقمح وتسجل نسبة نمو سكاني شرهة في تنافس قاتل مع أفريقيا حيث دول الصف الأخير في التنمية العالمية، ففي ريف العراق مثلا يعاني ما يقارب الثلاثين بالمائة من السكان من سوء التغذية، إنه الريف العربي وليس العراقي فقط حيث يتركز الجوع، تشوه سيستمر حسب الدراسات المستقبلية التي تؤكد أن سبعين بالمائة من ابناء المنطقة العربية سيتركزون في المدن خلال العقود القادمة اذا ما اتممنا العمل بذات النهج وهو ما يعني المزيد من التوحش في نمط حياتنا الاتكالي والاستهلاكي، عمل في ظاهره عشوائي ولكنه أقرب لنظرية الفوضى :”حيث ما يبدو فوضوياً ولا يضبطه شيء في الظاهر، هو في الحقيقة أمر منظم ومنضبط تماماً وتتحكم به قوانين طبيعية في غاية الصرامة والدقّة وأنه لا وجود لأحداث أو أشياء عشوائية”، إننا ببساطة نسير نحو (هولودومور) جديدة حيث مدن آكلي لحوم البشر ستطفو الى السطح عند أول هزة في السلاسل الغذائية العالمية.اضافة اعلان