هوية التحالفات

لا توجد ظروف أكثر حرجا تستدعي بناء تحالفات عربية وإسلامية قوية مثل المعركة الفاصلة التي يجب أن تخاض ضد هذه التنظيمات التي تدعي الانتساب للإسلام، ولا يمكن لهذه التحالفات أن تستقيم بدون مشاركة فاعلة وقيادية من قبل كل من مصر والسعودية، وهما الدولتان الأكثر عرضة وتهديدا ووعيدا من هذه التنظيمات؛ وهذا يعني ضرورة الوضوح الاستراتيجي لهذه الدول، وإعادة تعريف الأهداف ومصادر التهديد والأولويات، وهنا سيبرز الموقف من الصراع حول مستقبل سورية عقبة في بناء هذه التحالفات وتحديدا في بناء المواقف مع القوى الاقليمية المؤثرة، ونعني هنا تحديدا إيران وتركيا.اضافة اعلان
المشكلة في هياكل التحالفات، التي من المفترض أن تفضي عنها قمة الولايات المتحدة مع قادة العالمين العربي والإسلامي، هي في هوية هذه التحالفات وبالتحديد في عهد القيادة الأميركية الراهنة، التي لا يمكن الرهان عليها حتى لأيام قليلة، علاوة على صورة هذه القيادة أمام العالم الإسلامي والعالم أجمع، وتناقض القيم والخطابات الموجهة للعالم ولهذه المنطقة تحديدا.
إن بناء جبهة سياسية واستراتيجية ضد الإرهاب حاجة وضرورة، قد تفضي إلى حسم ملفات استراتيجية مزمنة خلفها الفراغ العربي الذي ساد حيال الصراعات في المنطقة وعلى رأسها استعادة العراق إلى العالم العربي، وتخفيف وطأة النفوذ الإيراني، وإطلاق عقلانية سياسية عربية جديدة تنقل النظام العربي الهش والمريض من موضوع مطروح على طاولة النقاش إلى طرف فاعل وأساسي في النقاش على مستقبل المنطقة، وهذا يعني بالدرجة الأولى تعلم أن ممارسة السياسة لا تعني كسب كل شيء.
الحرب على الإرهاب والتطرف وصناعة الطوائف يجب أن تكون عربية بالدرجة الأولى وعلى الدول التي ساهمت في زراعة هذه الظاهرة ونموها وتصنيعها أن تدرك حجم الأثمان التي ستُدفع ليس من قبل هذا الجيل، وحسب، بل ومن الأجيال القادمة، فلقد حان الوقت لإعادة تعريف الإرهاب وإعادة تعريف الإسلام السياسي الجديد ووضع حدود فاصلة بين من يريد أن يمارس الديمقراطية باستخدام مضامين إسلامية سلمية، وبين من يستخدم الإسلام للقتل والترويع، فلقد مرت سنوات طويلة رسمت القوى الأيديولوجية العربية والإسلامية صورة نمطية تندرج تحتها مفاهيم خاصة للإرهاب تبناها السواد الأعظم من العرب، وهي صورة مشوبة بالشك والتعاطف مع تلك الجماعات نتيجة التورط والتوظيف الغربي لمفهوم "الحرب على الإرهاب" لمصالح سياسية واستراتيجية كما حدث في احتلال العراق والحرب في افغانستان.
ثمة رغبة مشتركة تقودها القوى الكبرى في تجنب الدخول في أحداث كبيرة أو أزمات مفاجئة في الشرق الأوسط، فالكل ينتظر. سياسياً، هناك حالة من توازن الضعف تسود العالم، بفعل موجة العسكرة الهائلة التي لم تمارسها الولايات المتحدة وحدها، بل مارستها أيضا روسيا والصين وبعض الأطراف الأوروبية. هذا المناخ الدولي استثمرته روسيا في توسعها بالشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتعمل الولايات المتحدة هذه الأيام على إنتاج نسخة جديدة من نفوذها، حيث من المتوقع أن يدخل الشرق الأوسط مرحلة كساد سياسي، يضرب بالصغار والكبار معا. التهدئة الجديدة وتقاسم الأدوار تعني أننا أمام مواسم من الصفقات السياسية التي قد تعيد كتابة تاريخ هذه المنطقة لعشرات السنين القادمة.