هيا نقرأ قصة

بثينة البلخي

يحب طفلي القصص كثيراً، ولطالما استعنت بها وسيلة لتهدئته في أي موقف، فمهما بلغ منه الغضب أو الرفض لشيء ما يستسلم للهدوء بمجرد أن أبدأ برواية حكاية له، وحتى وقت النوم الذي يهرب منه معظم الأطفال أصبح وقتاً ممتعاً بفضل الحكايات.

اضافة اعلان

على مدى التاريخ، استطاعت القصص أن تلعب دورا كبيرا في تربية الأطفال، ولا بد أن معظمنا يحتفظ في ذاكرته بحكاية أو قصة سمعها من جدته أو أحد أبويه، ولعل كثيراً منا يتذكر «حكايات عالمية» و»في جعبتي حكاية»، التي لطالما زرعت فينا مشاعر نبيلة وعلمتنا مبادئ وأخلاقا كريمة، والأهم من هذا كانت وسيلتنا لتنمية الخيال في شخصياتنا، وتفتح آفاقنا ورؤانا على عوالم لم نكن نعلم بوجودها.

في العام 2019 نشرت مجلة طب الأطفال الصادرة عن الجمعية الطبية الأميركية دراسة على مجموعة من الأطفال دون سن الخامسة أجريت لأدمغتهم صور رنين مغناطيسي، وأظهرت أن أولئك الذين تمت القراءة لهم بشكل مباشر، بعيداً عن عادة النظر إلى الحواسيب والأجهزة اللوحية، ارتفعت لديهم المادة البيضاء في الدماغ والتي تعزز الاتصال بين خلايا الدماغ وبقية الجهاز العصبي، ما يعني تنشيط عمل الدماغ، وعلى العكس فقد رصدت الدراسة وجود ضرر في المناطق المسؤولة عن اللغة ومهارات القراءة والكتابة في أدمغة الأطفال الذين قضوا وقتهم أمام الأجهزة الإلكترونية أو مشاهدة التلفزيون.

قد يجد الأهل صعوبة بعد يوم متعب وشاق أن يخرجوا من عالم الكبار المليء بالصعوبات والضغوطات ويدخلوا في عالم الصغار، عالم الخيال والابتكار، لكنهم بالتأكيد لا يجب أن يفوتوا هذه الفرصة المهمة، فالقراءة للطفل تعزز الروابط معه وتحرض الإبداع والخيال لديه، وتزيد حصيلته المعرفية واللغوية، وهي وسيلة مثالية لنقل المبادئ والمثل إليه.

قد تزداد صعوبة المهمة على الأهل في ظل ضآلة النتاج الجيد والمتقن في أدب الأطفال، لذلك لا بد من أن نقوم نحن الآباء بفتح أذهاننا والتحليق مع أطفالنا إلى آفاق جديدة، ولا بد أن نحكي ما هو مألوف وما هو غير مألوف، بعيدا عن الرعب طبعاً. كما علينا أن نختبر مهاراتنا في التمثيل لنجعل شخصيات القصة حية بأصواتنا وإيماءاتنا، وذلك كله من شأنه أن يجعل الطفل قادرا على طرح الأسئلة والاستفسار أكثر، إذ ينبغي أن نحفز عقله لطرح مزيد من الأسئلة في عملية تفاعلية كاملة، ولا بأس هنا أن يشترك الطفل في صوغ الحكاية، واقتراح رؤيته لما يتوجب أن تكون عليه البداية والحبكة والنهاية، وأيضا أن يقترح طرقا لأدائها.

بسبب القصص يعرف اليوم طفلي شخصيات مثل تاج محل، وفيروز، والروبوت الشهير أميكا، وبسبب القصص يسألني كيف أستطيع أن أقطف النجوم، ولماذا ليس لدينا سوى شمس واحدة، والكثير الكثير من الأفكار والأسئلة الذكية التي كلما زادت زاد إصراري على تقديس القصة واعتبارها ركناً أساسياً لا غنى عنه في عملية التربية الشاقة والممتعة جداً. بسبب القصص أشعر أن علاقتي بطفلي دائماً على ما يرام، فأكبر خلاف نحله بعبارة «هيا نقرأ قصة».

 

المقال السابق للكاتبة

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا