هيبة الدولة بتطبيق القانون

محمد الشواهين

ما إن تحصل جريمة في بلدنا، حتى تجد من يتذمرون من التهاون في تطبيق القانون، معتبرين أن القانون لو يتم تطبيقه بحذافيره وسواسية على الجميع، فلن تتفاقم مثل هذه الجرائم. وهذه وجهة نظر لا يمكن للمرء أن ينكرها، ولا أن يسلم بها على إطلاقها.اضافة اعلان
أفهم وأدرك أنه يوجد أحيانا بعض التقصير في تطبيق القانون. لكن أفهم أيضا أنه لو طُبّق القانون بحذافيره، لوجدت من يتذمر. وثمة من يقول في رأي آخر "لا إفراط ولا تفريط"؛ وذلك بالتساهل في بعض الأمور البسيطة، والتشديد في المسائل الكبيرة التي لا يجوز التساهل فيها البتة. والحقيقة أن الأمر متروك لولي الأمر أو من يفوضه في التعاطي والتعامل مع موضوع الأمن، وهذه مسألة غاية في الحساسية.
من المعلوم أن ثمة دولا اعتادت تطبيق القانون بطريقة أفضل منا، ومع هذا تحدث فيها مخالفات وجرائم، من صغيرها إلى كبيرها. فبلاد الغرب مثلا، هي بلاد ارتقت فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومع ذلك لم تسلم من الإرهاب والتخريب، كتلك الجريمة الإرهابية البشعة التي حصلت في فرنسا قبل أيام قلائل، وذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء والمئات من الجرحى والمصابين.
في هذا السياق، يهمني بلدي الأردن في المقام الأول. فليس المطلوب أن نكون بلدا "بوليسيا" وقد اعتدنا على الحاكمية الرشيدة. وفي الوقت ذاته، من غير المقبول ترك الحبل على الغارب لكل من تسول له نفسه العبث بأمن العباد والبلاد على حد سواء.
ومن فضل الله علينا أننا لو قارنا أنفسنا ببلدان تتشابه معنا في المستوى الاجتماعي والثقافي والديموغرافي، لوجدنا أننا في وضع أمني أفضل بكل المقاييس. لكن لو قارنا أنفسنا بدول أخرى سبقتنا إلى الديمقراطية، فسنجد أننا ما نزال بحاجة لمزيد من العمل للحاق بها، ولنأخذ موضعا مرموقا بين الدول التي يُشار إليها بالبنان.
وجلالة الملك قام غير مرة بتوجيه الحكومات المتعاقبة إلى ضرورة الحفاظ على أمن المواطن والمقيم على الأرض الأردنية، ليكون بلدنا مثلا يُحتذى في الأمن والأمان. وبصراحة نحن كذلك بلا أدنى ريب على مستوى المنطقة بأسرها. مع هذا، فنحن ككتاب ومثقفين نطمح ونطالب بالمزيد نحو الأفضل، ولا نقبل أي ثغرة مهما كانت في موضوع الأمن وتطبيق القانون على الجميع من دون تمييز، فالجميع سواسية أمام القانون وهذا الأمر يتفق مع نص وروح الدستور الأردني لا مواربة فيه.
في هذا المنوال لا يغيب عن الذكر وقائع لا أعتقد أنها ترتقي إلى درجة الظواهر بالمعنى الواسع، لكن لا يمكن القبول بتكرارها. وهي على سبيل المثال لا الحصر: الاعتداء على رجال الامن أو الضابطة العدلية على وجه العموم ومقاومتهم أثناء تأديتهم لواجبهم الوطني. كما لا يمكن أن أمر مرور الكرام عن بعض الممارسات المقيتة كحالات الاعتداء على الأطباء والمعلمين والمعلمات، ناهيك عن ممارسات بعض الخارجين على القانون من ذوي السوابق وتدفيع الخاوات. علما أننا نعلم عن الكثير من حملات التفتيش والمداهمة في هذه الناحية أو تلك، والتي تلقى استحسان جماهيرنا الأردنية وتباركها وتطالب باجتثاث جذورها وتجفيف منابعها.
هيبة الدولة على رأس القائمة ولها الأولوية، ولا يمكن قبول التراخي بشأنها بأي حال من الأحوال. كما أن تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية هي العنصر الأهم في حياة الشعوب، والحفاظ على أمن الوطن واجب بل فرض عين على كل مواطن ومواطنة لمواجهة كل التحديات التي تحيق بنا من كل جانب. وللحديث بقية.